الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

حول كتاب "غاستون باشلار بين العلم والأدب" للدكتور سعيد بوخليط


يشير سعيد بوخليط في تقديم كتابه "غاستون باشلار بين العلم والأدب"إلى أن اجتهادات باشلار، تميزت بالملامح التالية:
1- قدرة عقلية تركيبية متينة ومتميزة، جعلت من الأفق الباشلاري لحظة إنسانية وفكرية تأسيسية لصيرورة التاريخ الإنساني.
2- عقلانية منفتحة جدا، مرنة، لينة ومنسابة: أعطى ذلك لباشلار إمكانية التأسيس لمفهوم جديد للتجربة الإنسانية من خلال ممكنات: العلم والأدب.
3- عقلانية، صاغت كل ملامح التأسيس. فاستحق بذلك لقب فيلسوف، تدين له المدرسة الفرنسية بخصلة أساسية تتمثل في كونه وعلى امتداد ثلاثين سنة منذ أطروحته لنيل الدكتوراه (1927) إلى آخر مؤلفاته "شعلة قنديل" (1961)، وهي كذلك سنة وفاته، كان يبحث عن صياغة مفهومية لشيء اسمه الانفصال. وكأنه النبي الذي يسعى إلى تخليص الإنسانية من أزماتها الفكرية. فأجاد للعلم فلسفة بديلة، ومنظومة جديدة تعبر عن الثورات الفكرية بعد ما عرف تاريخيا بأزمة الأسس في الرياضيات، وكذا ظهور نظرية النسبية مع خلخلتها لبديهيات الفيزياء النيوتونية. وعلى مستوى النص الأدبي، فقد أعطى بالنظرية النقدية التي وضع أصولها الكبرى نفسا لانهائيا وطويلا للاشتغالات النقدية والأدبية. ولن نبالغ إذا قلنا، بأن كل النظرية الشعرية الجديدة قد خرجت من لحية باشلار.
4- عقلانية تتوخى المزاوجة والجمع بين المفهوم بكل إحالاته المستندة على الصرامة والضبط النظريين. ثم الصورة البلاغية بكثافتها الشاعرية، والتي ربما تختزل التجربة الإنسانية في مجملها.
5- عقلانية أوجدت للحقول المعرفية أدوات إجرائية للبحث والتفكير. والمفهوم الباشلاري، استثمره فوكو وألتوسير وكانغليم وبارت وجينيت وبوبر....
6- عقلانية باشلار، قمة إنسانية بامتياز. ولا أدل على ذلك، أن الخيط الرابط لكل كتاباته من الفيزياء إلى الكيمياء، مرورا بالخيمياء والشعر والفلسفة. وكذا أبحاثه الميتافيزيقية والأنطولوجية، ثم المادة ومكونات العالم سواء في بعدها الفيزيائي أو الحلُمي. النقطة المشتركة لكل ذلك، تتمثل في لعبة الحلم. مضمون الدرس الباشلاري: أن الذي يسعى إدراك هندسة القنبلة الذرية، عليه كذلك استحضار الخصوبة المجازية والبلاغية لصور شعراء كبار أمثال: بودلير، شيلي، نيتشه، ريلكه، نوڤاليس، رامبو، لوتريامون، فيكتور هيغو....
7- عقلانية استطاعت أن تخترق جل الثقافات الكبيرة من الفرنكفونية إلى الانجلوساكسونية فالجرمانية....
ولعل هذه النقاط وحدها تكفي لجعل هذا الكتاب واحدا من أفضل المراجع المتعلقة بالحقل الخصب للمشروع الباشلاري.

الاثنين، 4 نوفمبر 2013

حول كتاب "أسئلة البديع: عودة إلى النصوص البلاغية الأولى" للدكتور سعيد العوادي

يعتبر كتاب "أسئلة البديع: عودة إلى النصوص البلاغية الأولى" الذي أصدره الدكتور سعيد العوادي سنة 2009 من بين الدراسات البلاغية الأكاديمية الحديثة والجادة التي استطاعت أن تجيب عن مجموعة من الأسئلة العالقة في البلاغة العربية وعلاقة هذه البلاغة بالخطاب اللغوي عموما في تأديته لوظائفه المتعددة (التعبيرية والتواصلية والشعرية والانفعالية والاقناعية ...). والداعية أيضا إلى ضرورة تجديد البلاغة العربية وفق رؤية أكثر انفتاحا وفاعلية في تحليل الخطابات الفنية.
وقد أجاب الدكتور سعيد العوادي في هذه الدراسة بشكل واضح وصريح كما هو الأمر في جميع دراساته السابقة واللاحقة عن سؤال مهم يتعلق بما مدى مطابقة الرؤيا التنظيرية التكوينية للبديع في البلاغة العربية للجانب التطبيقي أي على مستوى اشتغاله في الكشف عن الأسرار الجمالية والوظيفية في الخطابات الفنية.
لكن بلوغ هذا الهدف في نظر الدكتور العوادي يقتضي ملائمة الجهاز المفهومي للبديع كما تحددت دعائمه في البلاغة العربية القديمة بالنظريات النصية الوصفية الحديثة والأسلوبية تحديدا، مما يكشف على أن الدكتور العوادي يؤمن بضرورة تجديد البلاغة العربية عموما وعلم البديع على وجه الخصوص لكن هذا التجديد في نظر يجب أن يخلص "إلى فهم سليم لتراثنا النقدي والبلاغي، الذي ما يزال في أمس الحاجة إلى قراءات فاحصة من الداخل، ثم تبين حكمها عليه بعد ذلك وليس العكس. على اعتبار أن أول خطوة في الاجتهاد والإضافة والامتداد تبدأ بعد قتل القديم وصفا وتحليلا وإنصاتا"[1].
ولأجل بلورة هذا الفكرة اختار الدكتور العوادي متنا من المصنفات البلاغية القديمة هي: "البيان والتبيين" للجاحظ و"البديع" لابن المعتز و"نقد الشعر" لقدامة بن جعفر و"الموازنة" للآمدي و"الوساطة" للقاضي الجرجاني و"كتاب الصناعتين" للعسكري و"النكت في إعجاز القرآن" للرماني و"إعجاز القرآن" للباقلاني.
وبعد الدراسة والتحليل التي قام بها الباحث لهذه المتون قد خلص إلى مجموعة من النتائج أو بالأحرى أسئلة تتحدد على التوالي في:
-         سؤال الشعرية
-         وسؤال المفاضلة
-         وسؤال التصنيف المنهجي
-         وسؤال الإعجاز
وقد تناول ذلك كله وفق رؤية تمزج القديم بالحديث وقد أعجز عن محاكاتها ووصفها وإيجازها هنا، في أسطر أو فقرات لذلك أرى من الأفضل العودة إلى الكتاب قصد الاستمتاع بقراءته وتحصيل فوائد عديد تميزه من حيث الرؤيا ومن حيث التناول واللغة والأساليب التي صيغ بها.



[1] ) د. سعيد العوادي: أسئلة البديع: عودة إلى النصوص البلاغية الأولى، المطبعة الوطنية، ط1، مراكش 2009، ص6-7