الخميس، 14 أغسطس 2014

حول كتاب "الخصائص الأسلوبية للنص الشعري: مرتكزات نظرية ومحاولات تجريبية" د. عبد الحكيم المرابط

يسعى هذا العمل إلى رصد ما توصلت إليه الدراسات النقدية الحديثة في تأسيسها لعلم الأسلوب في علاقته بالنص الشعري، ثم محاولة السير قدما نحو التفكير في إنتاج إضافة جديدة، لتغطية الجوانب التي تبدو ناقصة أو مغيبة عما وصلت إليه الدراسات السابقة، وذلك بمحاولة خلق حوار بين ما خلفه التراث النقدي العربي من قضايا نقدية ذات صلة وطيدة بالموضوع، من جهة، وبين ما استحدثه النقد الأدبي حديثا، من جهة ثانية.
ومما يدفع إلى مثل هذا العمل، في وقتنا الراهن، هو ضرورة تحيين القضايا النقدية ذات موقع المطارحة بين القديم والحديث، من أجل الاستدلال على الحيوية المستمرة لتلك القضايا النقدية وقدرتها على مواكبة التطورات التي تلحق مسيرة نقدنا العربي، في كل وقت وحين، والدفع بعجلته إلى الأمام لاستشراف أفق جديدة نحو التقدم والتطور. وقد وجدنا في الأسلوبية في علاقتها بالنص الشعري، أفضل اتجاه نقدي يسمح لنا بإبراز ذلك، خاصة وأن تراثنا النقدي ـ بمصادره المتعددة ـ يرتكز على الشعر، وأن نقادنا القدامى يصدرون في أحكامهم النقدية اتجاه هذا الشعر، عن خلفية معرفية متمثلة في العلوم اللغوية بفروعها المتعددة. بالإضافة إلى هذا فعلم الأسلوب يشغل حيزا كبيرا ضمن المساحة الواسعة للنقد الأدبي العربي، فشكل الملاذ الأمين وانتشرت تصوراته واتجاهاته في مختلف دراسات النقد الأدبي العربي الحديث، وقدرة الأفكار العامة لهذا العلم أن تتجذر وتستقطب عددا واسعا من الدارسين والنقاد. ونظرا إلى فرادة علم الأسلوب وما حمله من جدة في معالجة العديد من الإشكالات والقضايا المرتبطة بالظاهرة الأدبية عامة، فإننا ارتأينا تخصيص هذا العمل للانفتاح على تجربته لاسيما في علاقته بالنص الشعري.
في ضوء ذلك، سعينا إلى تسليط الضوء على طبيعة العلاقة التي ينسجها علم الأسلوب بالنص الشعري، قديما وحديثا، وذلك بتوجيه من أسئلة ملحة في هذا الصدد، من ضمنها:
هل من الممكن إقامة أسلوبية النص الشعري باستثمار ما خلفه التراث النقدي من قضايا لغوية لها صلة بالنص الشعري؟
وإذا أمكن ذلك، فعلى أي مستوى من مستويات التحليل الأسلوبي يستطيع إفادتنا التراث النقدي في إقامة أسلوبية النص الشعري؟ أهو المستوى الصوتي أم المستوى التركيبي أم المستوى الدلالي أم هذه المستويات في مجملها؟
وهل استطاع النقد الأدبي العربي الحديث، في سعيه نحو تحديث رؤيته النقدية، أن يسبر أغوار الخصائص الأسلوبية للنص الشعري بالاستفادة من التراث النقدي، أم أنه ظل تابعا في بلوغ ذلك إلى ما حققه النقد الغربي؟
إن طبيعة الأسئلة التي يثيرها هذا الموضوع تفرض نفسها، في الالتزام بخطة منهجية واضحة، يمكننا في ضوئها عرض أهم القضايا والموضوعات الأساس التي تشكل قوام هذا العمل،الذي قسمناه ـ بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة ـ إلى ثلاثة فصول أساسية.
الفصل الأول:خصصناه لعلم الأسلوب، من النشوء والتكوين إلى التصنيف والتعالق، وقد أشرنا من خلاله بشكل مقتضب إلى ظروف نشأة الأسلوبية وتطورها في النقدين الأدبيين الغربي والعربي على السواء، كما اتخذنا منه عتبة ألمحنا من خلالها إلى الأسلوبية في علاقتها ببعض المجالات التي تحددها وتتبادل معها التأثير والتأثر، كالأسلوب والتيارات الأسلوبية، والأسلوبية والبلاغة، والأسلوبية والنقد الأدبي، والأسلوبية والنص الشعري.
الفصل الثاني: أفردناه لتتبع الخصائص الأسلوبية للنص الشعري في التراث النقدي، فأوضحنا في التمهيد الذي صدرنا به هذا الفصل شساعة الدراسات النقدية التي تناولت ذلك، إما ضمنا أو صراحة. وانتقلنا بعد ذلك للوقوف على المستوى البديعي لأسلوبية النص الشعري والتي نلمحها ضمن كتاب البديع لعبد الله بن المعتز بتنبيهه منذ وقت مبكر على مجموعة من الأساليب التي تكسب النص الشعري جماليته بخروجه عن الكلام العادي. ثم انتقلنا لإبراز معالم المستوى التركيبي لأسلوبية النص الشعري التي تنطوي عليها نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني، ثم وقفنا أيضا على المستوى التخييلي لأسلوبية النص الشعري كما تتضح من خلال جهود حازم القرطاجني في تطوير الرؤيا الأسلوبية للنص الشعري.

الفصل الثالث: عالجنا من خلاله خصائص أسلوبية النص الشعري في النقد الأدبي العربي الحديث: الإشكال والتداعيات، وبعد تمهيد وضعناه خصيصا لإيضاح أهمية ما أنجز في هذا النطاق بشكل عام، حاولنا أن نلامس عن قرب هاجس التأسيس لأسلوبية النص الشعري في النقد الأدبي العربي الحديث كما هي ماثلة في دراسة محمد الهادي الطرابلسي "خصائص الأسلوب في الشوقيات". ثم توقفنا عند إشكالية التقعيد الأسلوبي للنص الشعري في النقد الأدبي العربي الحديث، فأبرزنا ذلك بتفصيل كما هو ماثل في دراسة صلاح فضل "أساليب الشعرية المعاصرة". وفي وآخر هذا الفصل وقفنا عند دراسة حسن ناظم "البنى الأسلوبية (دراسة في "أنشودة المطر" للسياب)"، باعتبارها مثالا ناضجا في الضبط المنهجي وترابط التحليل الأسلوبي للنص الشعري في النقد الأدبي العربي الحديث.

الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

حول كتاب "غاستون باشلار بين العلم والأدب" للدكتور سعيد بوخليط


يشير سعيد بوخليط في تقديم كتابه "غاستون باشلار بين العلم والأدب"إلى أن اجتهادات باشلار، تميزت بالملامح التالية:
1- قدرة عقلية تركيبية متينة ومتميزة، جعلت من الأفق الباشلاري لحظة إنسانية وفكرية تأسيسية لصيرورة التاريخ الإنساني.
2- عقلانية منفتحة جدا، مرنة، لينة ومنسابة: أعطى ذلك لباشلار إمكانية التأسيس لمفهوم جديد للتجربة الإنسانية من خلال ممكنات: العلم والأدب.
3- عقلانية، صاغت كل ملامح التأسيس. فاستحق بذلك لقب فيلسوف، تدين له المدرسة الفرنسية بخصلة أساسية تتمثل في كونه وعلى امتداد ثلاثين سنة منذ أطروحته لنيل الدكتوراه (1927) إلى آخر مؤلفاته "شعلة قنديل" (1961)، وهي كذلك سنة وفاته، كان يبحث عن صياغة مفهومية لشيء اسمه الانفصال. وكأنه النبي الذي يسعى إلى تخليص الإنسانية من أزماتها الفكرية. فأجاد للعلم فلسفة بديلة، ومنظومة جديدة تعبر عن الثورات الفكرية بعد ما عرف تاريخيا بأزمة الأسس في الرياضيات، وكذا ظهور نظرية النسبية مع خلخلتها لبديهيات الفيزياء النيوتونية. وعلى مستوى النص الأدبي، فقد أعطى بالنظرية النقدية التي وضع أصولها الكبرى نفسا لانهائيا وطويلا للاشتغالات النقدية والأدبية. ولن نبالغ إذا قلنا، بأن كل النظرية الشعرية الجديدة قد خرجت من لحية باشلار.
4- عقلانية تتوخى المزاوجة والجمع بين المفهوم بكل إحالاته المستندة على الصرامة والضبط النظريين. ثم الصورة البلاغية بكثافتها الشاعرية، والتي ربما تختزل التجربة الإنسانية في مجملها.
5- عقلانية أوجدت للحقول المعرفية أدوات إجرائية للبحث والتفكير. والمفهوم الباشلاري، استثمره فوكو وألتوسير وكانغليم وبارت وجينيت وبوبر....
6- عقلانية باشلار، قمة إنسانية بامتياز. ولا أدل على ذلك، أن الخيط الرابط لكل كتاباته من الفيزياء إلى الكيمياء، مرورا بالخيمياء والشعر والفلسفة. وكذا أبحاثه الميتافيزيقية والأنطولوجية، ثم المادة ومكونات العالم سواء في بعدها الفيزيائي أو الحلُمي. النقطة المشتركة لكل ذلك، تتمثل في لعبة الحلم. مضمون الدرس الباشلاري: أن الذي يسعى إدراك هندسة القنبلة الذرية، عليه كذلك استحضار الخصوبة المجازية والبلاغية لصور شعراء كبار أمثال: بودلير، شيلي، نيتشه، ريلكه، نوڤاليس، رامبو، لوتريامون، فيكتور هيغو....
7- عقلانية استطاعت أن تخترق جل الثقافات الكبيرة من الفرنكفونية إلى الانجلوساكسونية فالجرمانية....
ولعل هذه النقاط وحدها تكفي لجعل هذا الكتاب واحدا من أفضل المراجع المتعلقة بالحقل الخصب للمشروع الباشلاري.

الاثنين، 4 نوفمبر 2013

حول كتاب "أسئلة البديع: عودة إلى النصوص البلاغية الأولى" للدكتور سعيد العوادي

يعتبر كتاب "أسئلة البديع: عودة إلى النصوص البلاغية الأولى" الذي أصدره الدكتور سعيد العوادي سنة 2009 من بين الدراسات البلاغية الأكاديمية الحديثة والجادة التي استطاعت أن تجيب عن مجموعة من الأسئلة العالقة في البلاغة العربية وعلاقة هذه البلاغة بالخطاب اللغوي عموما في تأديته لوظائفه المتعددة (التعبيرية والتواصلية والشعرية والانفعالية والاقناعية ...). والداعية أيضا إلى ضرورة تجديد البلاغة العربية وفق رؤية أكثر انفتاحا وفاعلية في تحليل الخطابات الفنية.
وقد أجاب الدكتور سعيد العوادي في هذه الدراسة بشكل واضح وصريح كما هو الأمر في جميع دراساته السابقة واللاحقة عن سؤال مهم يتعلق بما مدى مطابقة الرؤيا التنظيرية التكوينية للبديع في البلاغة العربية للجانب التطبيقي أي على مستوى اشتغاله في الكشف عن الأسرار الجمالية والوظيفية في الخطابات الفنية.
لكن بلوغ هذا الهدف في نظر الدكتور العوادي يقتضي ملائمة الجهاز المفهومي للبديع كما تحددت دعائمه في البلاغة العربية القديمة بالنظريات النصية الوصفية الحديثة والأسلوبية تحديدا، مما يكشف على أن الدكتور العوادي يؤمن بضرورة تجديد البلاغة العربية عموما وعلم البديع على وجه الخصوص لكن هذا التجديد في نظر يجب أن يخلص "إلى فهم سليم لتراثنا النقدي والبلاغي، الذي ما يزال في أمس الحاجة إلى قراءات فاحصة من الداخل، ثم تبين حكمها عليه بعد ذلك وليس العكس. على اعتبار أن أول خطوة في الاجتهاد والإضافة والامتداد تبدأ بعد قتل القديم وصفا وتحليلا وإنصاتا"[1].
ولأجل بلورة هذا الفكرة اختار الدكتور العوادي متنا من المصنفات البلاغية القديمة هي: "البيان والتبيين" للجاحظ و"البديع" لابن المعتز و"نقد الشعر" لقدامة بن جعفر و"الموازنة" للآمدي و"الوساطة" للقاضي الجرجاني و"كتاب الصناعتين" للعسكري و"النكت في إعجاز القرآن" للرماني و"إعجاز القرآن" للباقلاني.
وبعد الدراسة والتحليل التي قام بها الباحث لهذه المتون قد خلص إلى مجموعة من النتائج أو بالأحرى أسئلة تتحدد على التوالي في:
-         سؤال الشعرية
-         وسؤال المفاضلة
-         وسؤال التصنيف المنهجي
-         وسؤال الإعجاز
وقد تناول ذلك كله وفق رؤية تمزج القديم بالحديث وقد أعجز عن محاكاتها ووصفها وإيجازها هنا، في أسطر أو فقرات لذلك أرى من الأفضل العودة إلى الكتاب قصد الاستمتاع بقراءته وتحصيل فوائد عديد تميزه من حيث الرؤيا ومن حيث التناول واللغة والأساليب التي صيغ بها.



[1] ) د. سعيد العوادي: أسئلة البديع: عودة إلى النصوص البلاغية الأولى، المطبعة الوطنية، ط1، مراكش 2009، ص6-7

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

كتاب المعجم الوجيز في الأخطاء الشائعة والاجازات اللغوية

لقد اهتمت مجموعة كبيرة من العلماء بمناقشة الأخطاء عن عامة المجتمع وخاصتهم، وكان من أوائل هؤلاء ثعلب في الفصيح، وابن درستويه في كتابه كتاب الكتاب، ومحمد بن يحيى الصولي في كتاب أدب الكتاب.
ويقول أحد العلماء عن هذه الكتب إنها: “أصبحت تسيء إلى اللغة بدل أن تخدمها، وذلك أنها بتزمت أصحابها، وكثرة تخطيئاتهم غير المصيبة عمومًا، باتت تنفر أهل العربية من لغتهم، إذ أن من يطلع على بعض الكتب الآنفة الذكر، وخاصة المتأخرة منها، يهوله كثرة الألفاظ والأساليب التي تخطئها- وأكثرها صحيح لا غبار عليه- فيحسب أنه في مأمن من الخطأ، بل في كثرته، خاصة أن تلك الكتب تسلط تخطيئاتها على ما كتبه كبار الكتاب والأدباء، فكيف به وهو المبتدئ بتعلم العربية، غير المتضلع من أساليبها؟ وقد يؤدي به الأمر إلى النفور من العربية وكرهها”.
ولعل الأمر الذي بات ملاحظًا أن معاجم العربية وقفت عند حدود الزمان والمكان فلم تثبت ما هو خارج نطاق الجزيرة العربية، وما هو بعد المائة الثانية من الهجرة لعرب الأمصار، والمائة الرابعة لعرب البوادي، وإذا ثبت أن اللغة ظاهرة اجتماعية، فإنها تتطور بتطور المجتمع.
ولأن هناك أهمية كبيرة، وأمانة في عنق الحس القومي العربي، لإحياء دور اللغة العربية الرائد كأداة للعلوم، فأنشئت المجامع اللغوية في بعض الدول العربية، في مقدمتها مصر، وفي مجمع الخالدين، فحمل المجمع على عاتقه قدر ما يستطيع من النظر في طبيعة العصر، وما يحتاج إليه العربي من مفردات وتراكيب، فقدم لنا بعضاً من أعماله العلمية الرائدة، هذا ما نراه في مجلته، ومعاجمه على اختلاف حجمها، مثل الوسيط والوجيز والكبير، واتخذ المجمع مجموعة من القرارات، بهذا الصدد، هي: فتح باب الوضع للمحدثين، بوسائله المعروفة من اشتقاق وتجوز وارتجال، إطلاق القياس؛ ليشمل ما قيس من قبل، وما لم يقس، تحرير السماع من قيو الزمان والمكان؛ ليشمل ما يسمع اليوم من طوائف المجتمع، كالحدادين والنجارين والبنائين، وغيرهم من أرباب الحرف والصناعات، الاعتداد بالألفاظ المولدة، وتسويتها بالألفاظ المأثورة عن القدماء.
وهناك أمانة في أعناقنا، ليست فقط في تصحيح الأخطاء والتنبيه عليها، ولكن عدم تخطئة المولد على عمومه؛ حتى نضمن لأبناء مجتمعنا أن يواكبوا تطور الحضارة الإنسانية، وليس هذا بدعًا، فلقد رأينا التطور الكبير في معاني بعض المفردات إبان ظهور الإسلام مثل: الصلاة والمنافق والكافر والصوم والحج.. وفي العلوم العربية نحو النحو الفقه والتفسير والمنطق.. واستطاعت العربية أن تكون لغة ثرية.
ولقد اتبعت في هذا المعجم آراء مجمع اللغة العربية، ورتبت مادته العلمية ترتيبًا حسب المادة اللغوية، واقتصرت فيه على ما هو مشهور ومتداول، وتركت الغريب مما لا يعنينا معرفته، ثم نبهت على الصواب مما هو قيل عنه خطأ، وبينت سبب ذلك والله أدعو أن ينفع بهذا الكتاب أبناء العربية من الباحثين والدارسين.

https://www.4shared.com/office/OwYXlush/CommonMistakes.html


السبت، 25 مايو 2013

قراءة موجزة حول كتاب "شعرية الإقناع في الخطاب النقد والبلاغي" للدكتور أحمد قادم


يعد كتاب "شعرية الإقناع في الخطابين النقد والبلاغي" للدكتور أحمد قادم من أهم الدراسات في حقل الحجاج والتي أضافت إلى الساحة النقدية والبلاغية العربية الحديثة رؤية جديدة وفريدة، حاول الدارس بموجبها النبش في التراث البلاغي والنقدي عن أسس معرفية ونظرية تهم شعرية الإقناع، بعدما كان البحث في الإقناع حكرا لردح طويل من الزمن في حقل الخطابة.
وعلى هذا الأساس عقد الدارس الفصل الأول من هذا المؤلف لرصد المقومات الشعرية التي راهن عليها النقاد والبلاغيون لإعلان أدبية القصيدة العربية، فحصر مجموعة من خصائص الشعر عند النقاد عبر تطورها التاريخي بدءا بابن طباطبا العلوي وعيار الشعر، ثم قدامة بن جعفر والصنعة وأخلاق، مرورا بابن وهب حول مبدإ الشعر شعور، ثم ابن رشيق القيرواني في تأكيده على أن الوزن هو أعظم أركان حد الشعر، وصولا إلى رؤية حازم القرطاجني في كون الشعر عنده كلام موزون مخيل.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد وقف الدارس أيضا، ضمن هذا الفصل عند قضية عمود الشعر كما تم تداولها عند كل من ابن قتيبة في بحثه عن نموذج شعري، ثم عند المرزوقي في حصره لعمود الشعر في سبعة أبواب. ثم حازم القرطاجني مرة أخرى في ربطه بين شكل القصيدة وبواعث العمود الشعري.
وقد تم الوقوف في هذا الباب أيضا عند نظرية النظم لدى عبد القاهر الجرجاني، وذلك بالتركيز على الاستعارة ومفهوم النقل، ثم الاستعارة ومفهوم الادعاء، ثم النظم والكناية، والإبداع وصورة المعنى.
ومن بين القضايا التي تم تفصيلها كذلك في هذا الفصل قضية التمييز بين الشعر والنثر، مبرزا أسس التمييز بينهما في مبدأ المفاضلة وسلطة الوزن ثم هاجس التفاعل.
وفي ختام هذا الفصل تم طرح إشكالية مفهوم الشعر لدى الفلاسفة المسلمين، متبعا تطور الرؤية إلى هذا المفهوم من منظور الوزن والقافية كما عند النقاد والعروضيين إلى منظور جديد قوامه الشعر محاكاة وتخييل.
هذا فيما بخصوص الفصل الأول من هذه الدراسة أما فيما يتعلق الفصل الثاني فقد خصصه دراسة الإقناع بين الشعر والخطابة، والذي سعى من خلاله إلى: "ضبط المقومات الخطابية التي أضحت جزءا لا يتجزأ عند البلاغيين والفلاسفة، مع التركيز على مفهوم المراوحة بين المعاني الشعرية والمعاني الخطابية وطبيعة التعايش بين التخييل والإقناع داخل نص واحد، بالرغم من الحواجز النظرية التي ترى في الخيال رهانا شعريا، وفي الإقناع أسا خطابيا"[1].
ومن ثم راح الدارس يستعرض تفاصيل هذه الإشكالية، مبرزا في البداية سلطة الجنس الأدبي عند أرسطو على مستويي الأسلوب والبناء، ثم شعرية الخطابة وخطابية الشعر عند الفلاسفة المسلمين موضحا الوسيلة والهدف في الشعر والخطابة عند كل من الفارابي وابن سينا وابن رشد، ثم إقناع الخواص دون العوام .
كما بين أيضا قانون المراوحة بين المعاني عند حازم القرطاجني.
ووقف بعد ذلك عند قضية الإلقاء في الشعرية العربية، مبينا هاجس الإلقاء والتلقي في الظاهرة الأدبية، وشروط الإلقاء، وشروط فصاحة المتكلم ثم عيوب الالقاء وطقوس الالقاء.
وقد ختم الدارس هذا الفصل بالوقوف عند البيان بين الجاحظ وابن وهب من منظور حجاجي مفصلا القول في بيان البيان ووظائف البيان وأقسام الدلالة على المعنى عند كل من الجاحظ وابن وهب.
وعموما فإن هذه الدراسة القيمة تبقى جديرة بالقراءة والمتابعة نظرا للطرح الجديد والفريد الذي تطرحه في تناولها للإقناع في الشعرية العربية، بلغة سلسة وممتعة تجعلك تتابع القضايا التي يطرحها بنهم، وهي دراسة تجمع بين أسس البحث الأكاديمي الرصين وبين الوظيفة التربوية، وهذه الصفة قل ما نجدها عند أحد لذلك فكل من الباحث المتخصص في مجال الحجاج والطالب المتعلم سيجد بغيته في هذا المؤلف. الذي نتمنى أن تأتي فرصة سانحة لتقديم رؤية وقراءة متأنية ودقيقة حوله، ما دام المجال هنا لا يفيد في العرض والتفصيل والمقارنة والتحليل.



[1] ) د. أحمد قادم، شعرية الاقناع في الخطاب النقدي والبلاغي، المطبعة الوطنية، ط1، مراكش، 2009، ص 7.

الخميس، 23 مايو 2013

حول تأملات في تعريف البلاغة للدكتور عبد الله موساوي

لقد خصص الدكتور عبد الله الموساوي هذه الدراسة القيمة للنعبير عن الشروط التي تتحقق بها البلاغة، وطرح قضايا ترتبط يتحديد مفهوم البلاغة وارتباطاته المختلفة بالاتجاهات النقدية اللغوية الحديثة والقديمة.
ومن ثم نجده يخصص مدخلا مقتضبا يعالج فيه تعريف البلاغة والتكامل اللغوي أي المستوى التكاملي الذي يطبع معاني الغاية في لفظ البلاغة والوسيلة في لفظ البيان والطريقة في لفظ البديع، والتخصص في لفظ الفصاحة ، كما يتضمن المدخل أيضا تعريف البلاغة والتكامل الدلالي، أي المستويات التكاملية التي يؤسس عليها التعريف وهي الوضوح والبان وجودة العبارة ثم تداول الخطاب.
وبعد هذا المدخل خصص الفصل الأول لعرض قضية الجمال في مطابقات الكلام  مشيرا إلى جمالية المطابقة وما يرافقها من اختيار جمالي وما يتطلبه ذلك من انسجام أثناء بناء الكلام.
وقد عرض في الفصل الثاني لخصوصيات مقتضيات الأحوال، حيث تتبع أثر الأحوال في إنتاج الكلام والتفنن فيه، في ارتباط ملزم بخصوصيات الزمن والمكان والمزاج، وفي علاقة مباشرة بالمعطيات النفسية للمبدع وتأثرها بما يسمى ملهمات الجو الابداعي، لأن النفس ينقاد لها  الكلام في أوقات زمنية خاصة ، وتعطيك خيره في ارتباط بشاعرية المكان أيضا، كما تجود الخاطر بالابداع بعد راحة المزاج وصفاء الفكر ورغبة النفس ، فيأتي الكلام بلا تكلف أحيل منه ما كان مستحيلا ممكنا.
هذا وقد أفرد الفصل الثالث للحديث عن فصاحة الكلام بتأمل يساير الرؤية الشمولية للكلام في سنن العرب ومعاييره اللغوية والجمالية مبينا كيف أن البلاغيين اعتنوا بفصاحة المركب ليجعلوه منفتحا على نظريات نقدية حديثة.
وفي الفصل الرابع والأخير تحدث عن آفاق تعرف البلاغة وامتداداته، والعلاقة التكاملية بين القديم والحديث، أي انفتاح العريف على مفاهيم النص والأسلوب والتلقي والتداول والتواصل.
وإجمالا فما يمكن تسجيله من ملا حظات حول هذه الدراسة القيمة هو باختصار شديد لأن المقام لا يفيد، إنها دراسة تدخل في مجال الدراسات الاصطلاحية وإن كانت لا تعلن ذلك بصراحة وهو نمط من الدراسات التي تفيد في تدقيق الاصطلاحات النقدية والبلاغية وجعلها تحظى بالحيوية والمواكبة لمستجدات الدراسات الأدبية الحديثة.
وعموما فهذه الدراسة لا يمكن فصلها على سلسلة القراءات السابقة واللاحقة التي تسعى إلى تجديد البلاغة العربية بدءا من الدعوة إلى ذلك مع طه حين مرورا بأمين الخولي في كتابه الأسلوب ثم شوقي ضيف في كتابه البلاغة العربية تطور وتاريخ ثم بداوي طبانة في كتابه البيان العربي وصولا إلى حمادي صمود في كتابه التفكير البلاغي عند العرب ومحمد العمري في مجموع أعماله ثم عبد السلام المسدي وغيرهم ..