الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

حول كتاب "غاستون باشلار بين العلم والأدب" للدكتور سعيد بوخليط


يشير سعيد بوخليط في تقديم كتابه "غاستون باشلار بين العلم والأدب"إلى أن اجتهادات باشلار، تميزت بالملامح التالية:
1- قدرة عقلية تركيبية متينة ومتميزة، جعلت من الأفق الباشلاري لحظة إنسانية وفكرية تأسيسية لصيرورة التاريخ الإنساني.
2- عقلانية منفتحة جدا، مرنة، لينة ومنسابة: أعطى ذلك لباشلار إمكانية التأسيس لمفهوم جديد للتجربة الإنسانية من خلال ممكنات: العلم والأدب.
3- عقلانية، صاغت كل ملامح التأسيس. فاستحق بذلك لقب فيلسوف، تدين له المدرسة الفرنسية بخصلة أساسية تتمثل في كونه وعلى امتداد ثلاثين سنة منذ أطروحته لنيل الدكتوراه (1927) إلى آخر مؤلفاته "شعلة قنديل" (1961)، وهي كذلك سنة وفاته، كان يبحث عن صياغة مفهومية لشيء اسمه الانفصال. وكأنه النبي الذي يسعى إلى تخليص الإنسانية من أزماتها الفكرية. فأجاد للعلم فلسفة بديلة، ومنظومة جديدة تعبر عن الثورات الفكرية بعد ما عرف تاريخيا بأزمة الأسس في الرياضيات، وكذا ظهور نظرية النسبية مع خلخلتها لبديهيات الفيزياء النيوتونية. وعلى مستوى النص الأدبي، فقد أعطى بالنظرية النقدية التي وضع أصولها الكبرى نفسا لانهائيا وطويلا للاشتغالات النقدية والأدبية. ولن نبالغ إذا قلنا، بأن كل النظرية الشعرية الجديدة قد خرجت من لحية باشلار.
4- عقلانية تتوخى المزاوجة والجمع بين المفهوم بكل إحالاته المستندة على الصرامة والضبط النظريين. ثم الصورة البلاغية بكثافتها الشاعرية، والتي ربما تختزل التجربة الإنسانية في مجملها.
5- عقلانية أوجدت للحقول المعرفية أدوات إجرائية للبحث والتفكير. والمفهوم الباشلاري، استثمره فوكو وألتوسير وكانغليم وبارت وجينيت وبوبر....
6- عقلانية باشلار، قمة إنسانية بامتياز. ولا أدل على ذلك، أن الخيط الرابط لكل كتاباته من الفيزياء إلى الكيمياء، مرورا بالخيمياء والشعر والفلسفة. وكذا أبحاثه الميتافيزيقية والأنطولوجية، ثم المادة ومكونات العالم سواء في بعدها الفيزيائي أو الحلُمي. النقطة المشتركة لكل ذلك، تتمثل في لعبة الحلم. مضمون الدرس الباشلاري: أن الذي يسعى إدراك هندسة القنبلة الذرية، عليه كذلك استحضار الخصوبة المجازية والبلاغية لصور شعراء كبار أمثال: بودلير، شيلي، نيتشه، ريلكه، نوڤاليس، رامبو، لوتريامون، فيكتور هيغو....
7- عقلانية استطاعت أن تخترق جل الثقافات الكبيرة من الفرنكفونية إلى الانجلوساكسونية فالجرمانية....
ولعل هذه النقاط وحدها تكفي لجعل هذا الكتاب واحدا من أفضل المراجع المتعلقة بالحقل الخصب للمشروع الباشلاري.

الاثنين، 4 نوفمبر 2013

حول كتاب "أسئلة البديع: عودة إلى النصوص البلاغية الأولى" للدكتور سعيد العوادي

يعتبر كتاب "أسئلة البديع: عودة إلى النصوص البلاغية الأولى" الذي أصدره الدكتور سعيد العوادي سنة 2009 من بين الدراسات البلاغية الأكاديمية الحديثة والجادة التي استطاعت أن تجيب عن مجموعة من الأسئلة العالقة في البلاغة العربية وعلاقة هذه البلاغة بالخطاب اللغوي عموما في تأديته لوظائفه المتعددة (التعبيرية والتواصلية والشعرية والانفعالية والاقناعية ...). والداعية أيضا إلى ضرورة تجديد البلاغة العربية وفق رؤية أكثر انفتاحا وفاعلية في تحليل الخطابات الفنية.
وقد أجاب الدكتور سعيد العوادي في هذه الدراسة بشكل واضح وصريح كما هو الأمر في جميع دراساته السابقة واللاحقة عن سؤال مهم يتعلق بما مدى مطابقة الرؤيا التنظيرية التكوينية للبديع في البلاغة العربية للجانب التطبيقي أي على مستوى اشتغاله في الكشف عن الأسرار الجمالية والوظيفية في الخطابات الفنية.
لكن بلوغ هذا الهدف في نظر الدكتور العوادي يقتضي ملائمة الجهاز المفهومي للبديع كما تحددت دعائمه في البلاغة العربية القديمة بالنظريات النصية الوصفية الحديثة والأسلوبية تحديدا، مما يكشف على أن الدكتور العوادي يؤمن بضرورة تجديد البلاغة العربية عموما وعلم البديع على وجه الخصوص لكن هذا التجديد في نظر يجب أن يخلص "إلى فهم سليم لتراثنا النقدي والبلاغي، الذي ما يزال في أمس الحاجة إلى قراءات فاحصة من الداخل، ثم تبين حكمها عليه بعد ذلك وليس العكس. على اعتبار أن أول خطوة في الاجتهاد والإضافة والامتداد تبدأ بعد قتل القديم وصفا وتحليلا وإنصاتا"[1].
ولأجل بلورة هذا الفكرة اختار الدكتور العوادي متنا من المصنفات البلاغية القديمة هي: "البيان والتبيين" للجاحظ و"البديع" لابن المعتز و"نقد الشعر" لقدامة بن جعفر و"الموازنة" للآمدي و"الوساطة" للقاضي الجرجاني و"كتاب الصناعتين" للعسكري و"النكت في إعجاز القرآن" للرماني و"إعجاز القرآن" للباقلاني.
وبعد الدراسة والتحليل التي قام بها الباحث لهذه المتون قد خلص إلى مجموعة من النتائج أو بالأحرى أسئلة تتحدد على التوالي في:
-         سؤال الشعرية
-         وسؤال المفاضلة
-         وسؤال التصنيف المنهجي
-         وسؤال الإعجاز
وقد تناول ذلك كله وفق رؤية تمزج القديم بالحديث وقد أعجز عن محاكاتها ووصفها وإيجازها هنا، في أسطر أو فقرات لذلك أرى من الأفضل العودة إلى الكتاب قصد الاستمتاع بقراءته وتحصيل فوائد عديد تميزه من حيث الرؤيا ومن حيث التناول واللغة والأساليب التي صيغ بها.



[1] ) د. سعيد العوادي: أسئلة البديع: عودة إلى النصوص البلاغية الأولى، المطبعة الوطنية، ط1، مراكش 2009، ص6-7

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

كتاب المعجم الوجيز في الأخطاء الشائعة والاجازات اللغوية

لقد اهتمت مجموعة كبيرة من العلماء بمناقشة الأخطاء عن عامة المجتمع وخاصتهم، وكان من أوائل هؤلاء ثعلب في الفصيح، وابن درستويه في كتابه كتاب الكتاب، ومحمد بن يحيى الصولي في كتاب أدب الكتاب.
ويقول أحد العلماء عن هذه الكتب إنها: “أصبحت تسيء إلى اللغة بدل أن تخدمها، وذلك أنها بتزمت أصحابها، وكثرة تخطيئاتهم غير المصيبة عمومًا، باتت تنفر أهل العربية من لغتهم، إذ أن من يطلع على بعض الكتب الآنفة الذكر، وخاصة المتأخرة منها، يهوله كثرة الألفاظ والأساليب التي تخطئها- وأكثرها صحيح لا غبار عليه- فيحسب أنه في مأمن من الخطأ، بل في كثرته، خاصة أن تلك الكتب تسلط تخطيئاتها على ما كتبه كبار الكتاب والأدباء، فكيف به وهو المبتدئ بتعلم العربية، غير المتضلع من أساليبها؟ وقد يؤدي به الأمر إلى النفور من العربية وكرهها”.
ولعل الأمر الذي بات ملاحظًا أن معاجم العربية وقفت عند حدود الزمان والمكان فلم تثبت ما هو خارج نطاق الجزيرة العربية، وما هو بعد المائة الثانية من الهجرة لعرب الأمصار، والمائة الرابعة لعرب البوادي، وإذا ثبت أن اللغة ظاهرة اجتماعية، فإنها تتطور بتطور المجتمع.
ولأن هناك أهمية كبيرة، وأمانة في عنق الحس القومي العربي، لإحياء دور اللغة العربية الرائد كأداة للعلوم، فأنشئت المجامع اللغوية في بعض الدول العربية، في مقدمتها مصر، وفي مجمع الخالدين، فحمل المجمع على عاتقه قدر ما يستطيع من النظر في طبيعة العصر، وما يحتاج إليه العربي من مفردات وتراكيب، فقدم لنا بعضاً من أعماله العلمية الرائدة، هذا ما نراه في مجلته، ومعاجمه على اختلاف حجمها، مثل الوسيط والوجيز والكبير، واتخذ المجمع مجموعة من القرارات، بهذا الصدد، هي: فتح باب الوضع للمحدثين، بوسائله المعروفة من اشتقاق وتجوز وارتجال، إطلاق القياس؛ ليشمل ما قيس من قبل، وما لم يقس، تحرير السماع من قيو الزمان والمكان؛ ليشمل ما يسمع اليوم من طوائف المجتمع، كالحدادين والنجارين والبنائين، وغيرهم من أرباب الحرف والصناعات، الاعتداد بالألفاظ المولدة، وتسويتها بالألفاظ المأثورة عن القدماء.
وهناك أمانة في أعناقنا، ليست فقط في تصحيح الأخطاء والتنبيه عليها، ولكن عدم تخطئة المولد على عمومه؛ حتى نضمن لأبناء مجتمعنا أن يواكبوا تطور الحضارة الإنسانية، وليس هذا بدعًا، فلقد رأينا التطور الكبير في معاني بعض المفردات إبان ظهور الإسلام مثل: الصلاة والمنافق والكافر والصوم والحج.. وفي العلوم العربية نحو النحو الفقه والتفسير والمنطق.. واستطاعت العربية أن تكون لغة ثرية.
ولقد اتبعت في هذا المعجم آراء مجمع اللغة العربية، ورتبت مادته العلمية ترتيبًا حسب المادة اللغوية، واقتصرت فيه على ما هو مشهور ومتداول، وتركت الغريب مما لا يعنينا معرفته، ثم نبهت على الصواب مما هو قيل عنه خطأ، وبينت سبب ذلك والله أدعو أن ينفع بهذا الكتاب أبناء العربية من الباحثين والدارسين.

https://www.4shared.com/office/OwYXlush/CommonMistakes.html


السبت، 25 مايو 2013

قراءة موجزة حول كتاب "شعرية الإقناع في الخطاب النقد والبلاغي" للدكتور أحمد قادم


يعد كتاب "شعرية الإقناع في الخطابين النقد والبلاغي" للدكتور أحمد قادم من أهم الدراسات في حقل الحجاج والتي أضافت إلى الساحة النقدية والبلاغية العربية الحديثة رؤية جديدة وفريدة، حاول الدارس بموجبها النبش في التراث البلاغي والنقدي عن أسس معرفية ونظرية تهم شعرية الإقناع، بعدما كان البحث في الإقناع حكرا لردح طويل من الزمن في حقل الخطابة.
وعلى هذا الأساس عقد الدارس الفصل الأول من هذا المؤلف لرصد المقومات الشعرية التي راهن عليها النقاد والبلاغيون لإعلان أدبية القصيدة العربية، فحصر مجموعة من خصائص الشعر عند النقاد عبر تطورها التاريخي بدءا بابن طباطبا العلوي وعيار الشعر، ثم قدامة بن جعفر والصنعة وأخلاق، مرورا بابن وهب حول مبدإ الشعر شعور، ثم ابن رشيق القيرواني في تأكيده على أن الوزن هو أعظم أركان حد الشعر، وصولا إلى رؤية حازم القرطاجني في كون الشعر عنده كلام موزون مخيل.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد وقف الدارس أيضا، ضمن هذا الفصل عند قضية عمود الشعر كما تم تداولها عند كل من ابن قتيبة في بحثه عن نموذج شعري، ثم عند المرزوقي في حصره لعمود الشعر في سبعة أبواب. ثم حازم القرطاجني مرة أخرى في ربطه بين شكل القصيدة وبواعث العمود الشعري.
وقد تم الوقوف في هذا الباب أيضا عند نظرية النظم لدى عبد القاهر الجرجاني، وذلك بالتركيز على الاستعارة ومفهوم النقل، ثم الاستعارة ومفهوم الادعاء، ثم النظم والكناية، والإبداع وصورة المعنى.
ومن بين القضايا التي تم تفصيلها كذلك في هذا الفصل قضية التمييز بين الشعر والنثر، مبرزا أسس التمييز بينهما في مبدأ المفاضلة وسلطة الوزن ثم هاجس التفاعل.
وفي ختام هذا الفصل تم طرح إشكالية مفهوم الشعر لدى الفلاسفة المسلمين، متبعا تطور الرؤية إلى هذا المفهوم من منظور الوزن والقافية كما عند النقاد والعروضيين إلى منظور جديد قوامه الشعر محاكاة وتخييل.
هذا فيما بخصوص الفصل الأول من هذه الدراسة أما فيما يتعلق الفصل الثاني فقد خصصه دراسة الإقناع بين الشعر والخطابة، والذي سعى من خلاله إلى: "ضبط المقومات الخطابية التي أضحت جزءا لا يتجزأ عند البلاغيين والفلاسفة، مع التركيز على مفهوم المراوحة بين المعاني الشعرية والمعاني الخطابية وطبيعة التعايش بين التخييل والإقناع داخل نص واحد، بالرغم من الحواجز النظرية التي ترى في الخيال رهانا شعريا، وفي الإقناع أسا خطابيا"[1].
ومن ثم راح الدارس يستعرض تفاصيل هذه الإشكالية، مبرزا في البداية سلطة الجنس الأدبي عند أرسطو على مستويي الأسلوب والبناء، ثم شعرية الخطابة وخطابية الشعر عند الفلاسفة المسلمين موضحا الوسيلة والهدف في الشعر والخطابة عند كل من الفارابي وابن سينا وابن رشد، ثم إقناع الخواص دون العوام .
كما بين أيضا قانون المراوحة بين المعاني عند حازم القرطاجني.
ووقف بعد ذلك عند قضية الإلقاء في الشعرية العربية، مبينا هاجس الإلقاء والتلقي في الظاهرة الأدبية، وشروط الإلقاء، وشروط فصاحة المتكلم ثم عيوب الالقاء وطقوس الالقاء.
وقد ختم الدارس هذا الفصل بالوقوف عند البيان بين الجاحظ وابن وهب من منظور حجاجي مفصلا القول في بيان البيان ووظائف البيان وأقسام الدلالة على المعنى عند كل من الجاحظ وابن وهب.
وعموما فإن هذه الدراسة القيمة تبقى جديرة بالقراءة والمتابعة نظرا للطرح الجديد والفريد الذي تطرحه في تناولها للإقناع في الشعرية العربية، بلغة سلسة وممتعة تجعلك تتابع القضايا التي يطرحها بنهم، وهي دراسة تجمع بين أسس البحث الأكاديمي الرصين وبين الوظيفة التربوية، وهذه الصفة قل ما نجدها عند أحد لذلك فكل من الباحث المتخصص في مجال الحجاج والطالب المتعلم سيجد بغيته في هذا المؤلف. الذي نتمنى أن تأتي فرصة سانحة لتقديم رؤية وقراءة متأنية ودقيقة حوله، ما دام المجال هنا لا يفيد في العرض والتفصيل والمقارنة والتحليل.



[1] ) د. أحمد قادم، شعرية الاقناع في الخطاب النقدي والبلاغي، المطبعة الوطنية، ط1، مراكش، 2009، ص 7.

الخميس، 23 مايو 2013

حول تأملات في تعريف البلاغة للدكتور عبد الله موساوي

لقد خصص الدكتور عبد الله الموساوي هذه الدراسة القيمة للنعبير عن الشروط التي تتحقق بها البلاغة، وطرح قضايا ترتبط يتحديد مفهوم البلاغة وارتباطاته المختلفة بالاتجاهات النقدية اللغوية الحديثة والقديمة.
ومن ثم نجده يخصص مدخلا مقتضبا يعالج فيه تعريف البلاغة والتكامل اللغوي أي المستوى التكاملي الذي يطبع معاني الغاية في لفظ البلاغة والوسيلة في لفظ البيان والطريقة في لفظ البديع، والتخصص في لفظ الفصاحة ، كما يتضمن المدخل أيضا تعريف البلاغة والتكامل الدلالي، أي المستويات التكاملية التي يؤسس عليها التعريف وهي الوضوح والبان وجودة العبارة ثم تداول الخطاب.
وبعد هذا المدخل خصص الفصل الأول لعرض قضية الجمال في مطابقات الكلام  مشيرا إلى جمالية المطابقة وما يرافقها من اختيار جمالي وما يتطلبه ذلك من انسجام أثناء بناء الكلام.
وقد عرض في الفصل الثاني لخصوصيات مقتضيات الأحوال، حيث تتبع أثر الأحوال في إنتاج الكلام والتفنن فيه، في ارتباط ملزم بخصوصيات الزمن والمكان والمزاج، وفي علاقة مباشرة بالمعطيات النفسية للمبدع وتأثرها بما يسمى ملهمات الجو الابداعي، لأن النفس ينقاد لها  الكلام في أوقات زمنية خاصة ، وتعطيك خيره في ارتباط بشاعرية المكان أيضا، كما تجود الخاطر بالابداع بعد راحة المزاج وصفاء الفكر ورغبة النفس ، فيأتي الكلام بلا تكلف أحيل منه ما كان مستحيلا ممكنا.
هذا وقد أفرد الفصل الثالث للحديث عن فصاحة الكلام بتأمل يساير الرؤية الشمولية للكلام في سنن العرب ومعاييره اللغوية والجمالية مبينا كيف أن البلاغيين اعتنوا بفصاحة المركب ليجعلوه منفتحا على نظريات نقدية حديثة.
وفي الفصل الرابع والأخير تحدث عن آفاق تعرف البلاغة وامتداداته، والعلاقة التكاملية بين القديم والحديث، أي انفتاح العريف على مفاهيم النص والأسلوب والتلقي والتداول والتواصل.
وإجمالا فما يمكن تسجيله من ملا حظات حول هذه الدراسة القيمة هو باختصار شديد لأن المقام لا يفيد، إنها دراسة تدخل في مجال الدراسات الاصطلاحية وإن كانت لا تعلن ذلك بصراحة وهو نمط من الدراسات التي تفيد في تدقيق الاصطلاحات النقدية والبلاغية وجعلها تحظى بالحيوية والمواكبة لمستجدات الدراسات الأدبية الحديثة.
وعموما فهذه الدراسة لا يمكن فصلها على سلسلة القراءات السابقة واللاحقة التي تسعى إلى تجديد البلاغة العربية بدءا من الدعوة إلى ذلك مع طه حين مرورا بأمين الخولي في كتابه الأسلوب ثم شوقي ضيف في كتابه البلاغة العربية تطور وتاريخ ثم بداوي طبانة في كتابه البيان العربي وصولا إلى حمادي صمود في كتابه التفكير البلاغي عند العرب ومحمد العمري في مجموع أعماله ثم عبد السلام المسدي وغيرهم ..

الأحد، 19 مايو 2013

حول نظرية العامل في النحو العربي


تعد نظرية العامل من القضايا المركزية عند النحاة العرب في تقعيدهم للغة العربية ووصف بنيتها النحوية، وذلك ببحثهم في علاقات التأثير والتأثر بين مكونات الجملة، فاستخلصوا من ذلك كله أن هذه العلاقة تحدث بين ثلاثة مكونات أساسية في الجملة هي :العامل والمعمول والعمل. فأما العامل فهو ما يحدث الرفع أو النصب أو الجزم، أو الخفض فيما يليه و العوامل هي الفعل وشبهه، والأدوات التي تنصب المضارع أو تجزمه، والأحرف التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر، والأحرف التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر وحروف الجر، والمضاف، والمبتدأ. »وقد قسم النحاة العوامل إلى لفظية ومعنوية، وصنفوا اللفظية باعتبار أقسام الكلام: الفعل والاسم والحرف، وميزوا القوي منها والضعيف، والأصل والفرع، أما المعنوية فلا يصحبها قرائن لفظية ولكنها تعبر عن قرائن خاصة، كالابتداء، والخلاف أو الصرف«[1].
وأما المعمول فهو: »ما يتغير آخره برفع، او نصب، أو جزم، أو خفض بتأثير العامل فيه(...) وهو على ضربين : معمول بالأصالة ومعمول بالتبعية. فالمعمول بالأصالة، هو ما يؤثر فيه العامل مباشرة، كالفاعل ونائبه والمبتدأ والخبر، واسم الفاعل الناقص وخبره، واسم إن وأخواتها وأخبارها، والمفاعيل، والحال والتمييز والمستثنى، والمضاف إليه، والفعل المضارع (...) والمعمول بالتبعية ، هو ما يؤثر فيه العامل بواسطة متبوعه، كالنعت والعطف والتوكيد والبدل، فإنها ترفع أو تنصب أو تجر أو تجزم لأنها تابعة لمرفوع أو منصوب أو مجرور أو مجزوم« [2]
أما العمل فهو الأثر الحاصل بتأثير العامل، ويكون إما الرفع أو النصب أو الجر أو الجزم[3].


[1]) عبد الحميد مصطفى السيد، نظرية العامل في النحو العربي، مجلة جامعة دمشق- المجلد18-العدد-3+4 ، 2002، ص 48
[2] ) جامع الدروس العربية ، 3/274-275
[3] ) نفسه، 3/275-276.

الأحد، 12 مايو 2013

الحداثة في الشعر العربي


نشأة "الحداثة" وتطورها في الشعر العربي
       يكاد الاهتمام بظاهرة الحداثة في الوطن العربي ـ بشكل عام ـ يرجع إلى التحولات الكبيرة التي ظهرت في شتى مناحي حياة الإنسان العربي ـ سياسيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا،... ـ . وللحديث عن نشأة هذه الظاهرة وتطورها في الشعر العربي لابد من تقصي أول  حركة تجديدية في التراث الأدبي واتباع سيرورتها عبر مراحلها التاريخية، وقوفا عند  حركة الحداثة في الإنتاج الشعري العربي الحديث. هذا ما سنحاول الإحاطة به هنا.  
         من ثم، فوجود اتجاهين من الشعراء."اتجاه يعتبر نفسه امتدادا لشعراء العصر العباسي ـ رواد أول حركة تجديدية في الشعر العربي ـ نذكر على رأسهم أبا نواس وأبا تمام، وابن الرومي، والمتنبي، وأبا العلاء، ابن سنا(...)، هؤلاء الشعراء الذين جاءوا بالثقافة اليونانية والبيئة الحضارية الجديدة. فاهتز في وجدانهم هيكل القصيدة العام. فلم يعد ثمة ضرورة لأن يستهل الشاعر قصيدته بالوقوف على الأطلال ولم تعد به حاجة لأن يتجشم عناء الوصول إلى الممدوح على الناقة(...) وظهرت محاولات عديدة لتوحيد موضوع القصيدة بتأثير من المنطق الأرسطي والثقافة اليونانية إجمالا مما هدد قاعدة وحدة البيت بالدمار وساعد على ذلك أيضا التحليق النفسي والفكري لبعض الشعراء كأبي العلاء وابن سنا"[1].
         بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضا تغيير على مستوى اللغة الشعرية وذلك بسبب دخول ألفاظ يونانية وفارسية، لاحتكاك اللسان العربي بالألسنة الأعجمية. كما تسللت إلى الشعر بعض الألفاظ الفلسفية والعلمية والدينية والصناعية وكثير من الألفاظ العربية ذات المعاني المستحدثة وليدة الحضارة الجديدة.
         وهناك أيضا تغييرات على مستوى الوزن والقافية، فنجد مثلا لأبي نواس قصائد خرج بها على نظام الأوزان المعروفة. كما أن أبا العتاهية قد اخترع أوزان جديدة. وحاول كذلك بعض الشعراء، الخروج على نظام القافية الواحدة. إذ وجدوا فيها تقييدا لا تحتمله موضوعاتهم الجديدة. من ثم ظهر ما يسمى "بالمزدوجات".[2]  
         وهناك حركة تجديدية أخرى كان لها أثر كبير في تاريخ الشعر العربي. والتي ظهرت بالأندلس. فقد بدأ فن التوشيح متأثرا ومؤثرا بما كان منتشرا في جنوب فرنسا من شعر شبيه بالموشحات. وهو شعر التروبادور. وإن كان المرجح أن المحاولات الأولى في هذا الفن قد بدأت منذ نهاية القرن الثالث هجري.[3]  ومنذ نهاية القرن التاسع عشر بدأت تظهر بوادر التجديد في بعض ما أنتجه فرانسيس مراس الحلبي. وأحمد الشدياق. ونجيب حداد.
         وقد كان تجديدهم مقصورا في البداية على التمرد على الموضوعات التي عرفها الشعر القديم، ثم الدعوة من خلال المجلات العربية المعاصرة آنذاك إلى نبذ القديم والأخذ بالجديد وانتهاج أساليب الشعراء الغربيين.
          وبعد ذلك ظهرت حركة التجديد في المهجر التي نمت في أحضان الثقافة والشعر الغربيين،"ولعل أبرز الثائرين على القديم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وتستهدف ثورتهما مفهوم الشعر وعناصره الشكلية والموضوعية. فالشعر من حيث مفهومه أصبح رسالة سامية يتنزلها الشاعر من عالم الروح ليؤديها بين الناس كما يقول جبران، أما اللغة فليست ألفاظا جامدة وبيانا وبديعا ومنطقا وإنما هي ترجمة للروح والحياة. أما الأوزان والقوافي فلا يعتبرونها من ضرورة الشعر. فهم لا يراعون وحدة البيت، في وحدة مكتملة، يكون البيت فيها جزءا حيا يكاد يستمد قوته ومعناه من التئامه مع سائر الأعضاء."[4]
         وإذا تتبعنا امتدادات الاتجاه الرومانسي والاتجاه الرمزي، فسوف نلتقي مثلا بإلياس أبي شبكة وبسعيد عقل اللذين يأتيان في سيرورة التجديد في الشعر العربي: "يقول أبو شبكة في مقدمته "أفاعي الفردوس" إن الشعر لا يحدد فلا يقاس ولا يوزن، إذ انه تعبير عن الحياة، والحياة لا حدود لها ولا مقاييس. ونجد أيضا سعيد عقل في مقدمة "المجدلية"[5] يؤكد أن الشاعر الحق لا يكون له أفكار وصور وعواطف قبل النظم. وعند النظم، بل يستحيل عليه أن يكتب شعرا إذا توفر له شيء من ذلك."[6]
         من خلال هذا العرض التاريخي المتسلسل لحركة التجديد في الشعر العربي منذ العصر العباسي مرورا بالأندلس من خلال فن التوشيح. إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع شعراء المهجر والمدرسة الرومانسية والرمزية. فإنه يحق القول فعلا أن الشعر العربي إلى هذا الحد لم يخرج على جوهر التراث الشعري القديم ، فإنهم مهما غيروا من موضوعاتهم وتلاعبوا بالأوزان وبدلوا من القوافي، فإن أهم خصائص عمود الشعر العربي ظلت مسيطرة على جميع تلك الحركات التي كانت تجديدية حقا. ولكنها لم تصل إلى حد الحداثة.
         ستأتي موجة الحداثة في الشعر العربي بالفعل بعد الحرب العالمية الثانية عندما نشأت الدعوة إلى تطوير أوزان الشعر وقوافيه بما عرف بحركة الشعر الحر، ثم ظهرت حركة جديدة تدعو إلى فلسفة الشعر العربي ليجد له مكانا في صورة الشعر العالمية المتطورة. هذا وقاد الحركة الأولى شعراء عراقيون على رأسهم نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي. ثم قاد الحركة الثانية شعراء لبنانيون على رأسهم يوسف الخال الوافد من أمريكا بعد هجرة طويلة وأدونيس بعدما غادر سوريا.
         وعليه، "فالشعر العربي الحديث قد استطاع انطلاقا من العراق أن يلعب دوره الرائد والمحفز في مشروع التحول الثقافي والاجتماعي، ولكن هذه الظاهرة ليست حدثا فريدا لا سابقة له، أو لغزا لدى من يعرفون التاريخ العربي جيدا، إن هؤلاء يعلمون أن الروح العربية روح شعرية بامتياز، وأن الشعر العربي كان على الدوام التعبير الأسمى عن تطلعاتها والسجل الوافي لتحركاتها كلها(...) هكذا تعرض مشروع الشعراء العراقيين إلى حركة الاعتراضات الواسعة من طرف النزعة المحافظة العربية. التي تعرضت هنا للهجوم في واحد من أمتن قلاعها. هذه الهجمة التي كانت في الوقت نفسه بداية لنضال صعب مع الحساسية العامة وسط واحد من أشد ميادينها ارتباطا بالدواخل وهو تعبيرها المميز والأكثر خصوصية."[7]
         وقد تطورت المسيرة المجددة التي كان الشعراء العراقيون روادها منذ سنة 1947، ليواصلها العديد من شعراء العرب، هذا التطور جاء على شكل تدريجي بدأ بالتعرض إلى الشكل الوزني للقصيدة العربية، ثم اتجه صوب الأساس الشعري نفسه وعلاقته العضوية مع معمار القصيدة.[8]  وفي سياق هذا التطور الذي فتح الرواد العراقيون جانبا منه، يقول إحسان عباس: "وقد أصبح من المعروف أن الرواد العراقيين: نازك  والسياب والبياتي كانوا هم رسل هذه الثورة بتأثير من الشعراء الانجليز، وكانت ثورتهم في شكلها الأولي تمثل تخلصا من رتابة القافية الواحدة. ( دون الاستغناء عن القافية تماما) وتنويعا في عدد التفعيلات في السطر الواحد (دون مبارحة الإيقاع المنظم)... إنما الذي يميز هذه الحركة عن كل ما سبقها أن اعتمادها للشكل الشعري الجديد أصبح مذهبا لا استطرفا، وأن إيمانها بقيمة هذا التحول كان شموليا لا محدودا، وأن أفرادها في حماستهم لهذا الكشف الجديد رأوا وما زالوا يرون. أن هذا الشكل يصلح دون ما عداه وعاء لجميع أنواع التجربة الإنسانية إذا أريد التعبير عنها بالشعر."[9] 
         وتبقى مسألة مَنْ مِنَ الشعراء العراقيين الثلاثة كان السباق إلى هذه الوجهة الشعرية الجديدة. مثار اهتمام العديد من الدارسين.
         ولكن نازك في كتابها "قضايا الشعر العربي المعاصر" تشير إلى أنها أول من نشرة قصيدة "حرة" عام 1947 ولكنها تعترف في الموضوع نفسه أن بدر شاكر السياب قد نشر في الشهر ذاته مجموعة شعرية تحمل عنوان "أزهار ذابلة" تحتوي على قصيدة حرة تحمل عنوان "هل كان حبا."[10] 
         وبغض النظر عن مسألة السبق التي كان طرفاها السياب ونازك، فإن عبد الوهاب البياتي لم يتأخر عن الإسهام في الحركة بنشاط يتبعه بعد ذلك آخرون من شعراء العراق وباقي أقطار البلاد العربية.
         هكذا، يمكن أن ندرك أن مجيء "البيت الشعري الحر" كان يشكل، في تلك الفترة ظاهرة عامة تطبع تطوير جيل شعري جديد، في العالم العربي. لقد كان البيت الحر يمثل إجابة حتمية لقوى شابة متمردة ضد تراث جامد ومجتمع كان يختنق في ثبات الأشكال التقليدية المتسمة بالقداسة.
         وقد تمكنت نازك الملائكة أن تجتاز بسهولة ونجاح، عتبة المسيرة المجددة التي شرعت فيها بكثير من الحذر، والتردد. وإذا كانت قد عملت على تعديل البنية الوزنية في القصيدة، متوصلة إلى تحقيق وحدة معينة بين المضمون والشكل الشعريين. فقد كانت تحرص في الوقت نفسه على عدم الابتعاد عن الأنماط التعبيرية التي شكلت ثورة مدرسة المهجر. وحركة "أبولو"[11]  ومجموع الاتجاهات الرومنطقية والرمزية.[12]
         أما السياب فكانت بدايته الشعرية مع الأشكال التقليدية، ثم تطورت بعد ذلك بتكسيره للقيود التقليدية، وتعتبر" أنشودة المطر" بمثابة القمة في تطور شعر السياب، ثم بعد ذلك بدأ في الانحدار الفني.[13]
         من هنا يمكن أن نعتبر السياب بمثابة جسر العبور من القديم نحو الحديث. وكما يعبر أدونيس فإن: "تجربة السياب مع ذلك ريادة بدءا منها ومعها أخذ ينشأ للشعر العربي الجديد وسط تعبيري جديد. وهو الآن، من القوة والسيادة بحيث أنه يبدو إبداعا مستمرا."[14]
         أما البياتي فقد اتخذ وجهة مغايرة تماما، وانفتح تطوره على أفاق أخرى. فبعد أن كان شاعر "الداخل" والاختيار الوجودي. أصبح باستغلاله للحرية التي يتيحها الشكل الجديد، معبرا عن الفرد ومفصحا عن خيبته. لكنه سرعان ما انصهر قلقه الشخصي في البؤس ونضال الشعب من أجل تحقيق آماله وتطلعاته.[15]
         إلى هذا الحد، نكون قد تحدثنا عن مراحل النمو والتطور الأوليين لحركة الحداثة. أما فيما يخص الملامح الأساسية للقصيدة الجديدة. والتوجه الشعري بشكل عام لهذه الحركة فستأخذ موقعها داخل تجمع "شعر" الذي أسهم فيه العديد من الشعراء على رأسهم السياب وأدونيس وغيرهم.
         من  المؤكد أن تطور حركة الحداثة جاءت مع تأسيس تجمع شعر في لبنان والذي قاده يوسف الخال رفقة عدد من الشعراء ذوي أصل سوري على رأسهم أدونيس الذي يعتبر من الأعمدة الأساسية في الحركة، فقد أعلن هذا التجمع عن تأسيس مجلة فصلية موجهة، بصورة حصرية لخدمة قضية الشعر والدفاع عنها وحملت المجلة تسمية "شعر" التي صدر عددها الأول في كانون الثاني سنة (1957م).[16] لكن هذا التجمع لم يدم طويلا، خصوصا وأن أدونيس الذي يمثل العمود الفقري لهذا التجمع سيغادره بسبب خلاف حدث بينه وبين يوسف الخال سنة(1963). ليتبنى مرحلة جديدة من مراحل الحداثة وهي "الكتابة الجديدة" وعن انفصاله يقول: "أدى عملنا سوية في مجلة شعر، يوسف الخال وأنا، بالتعاون مع الأصدقاء الآخرين الذين كانوا يكونون هيئة تحريرها ـ القريبة العاملة والبعيدة المتعاطفة ـ أدى عملنا إلى ترسيخ مناخ جديد، نظريا وفنيا، بحيث أصبحت خارج الشعر كل محاولة لتجديد الشعر كما كان يحدده النظريون القدامى. وفي أواخر عملنا المشترك أخذ يتضح لي أن هذا الذي حققناه، وهو مهم جدا، لا يكفي خصوصا أن معظم هؤلاء العاملين. وقفوا عند حدود تغيير الطريقة الموروثة واكتفوا بهذا التغيير."[17] 
         والى جانب ما ذكرناه، يجدر بنا أن نشير هنا إلى مسالة أثيرت حول حركة الحداثة في الشعر العربي الحديث، والتي يعتبرها البعض نسخة طبقا لأصلها في الشعر الغربي، وبزعمهم هذا يذهبون إلى أن الحداثة ما هي إلا كغيرها من المذاهب الفكرية، والتيارات الأدبية التي سبقتها إلى البيئة العربية، كالواقعية، والرمزية، والرومانسية، والوجدانية...، بل هناك من يعتبرها أخطر من ذلك. حيث يرى فيها حملة على الدين واللغة العربية على حد سواء، فوجدت في فكرنا وأدبنا العربي تربة خصبة، سرعان ما نمت وترعرعت على أيدي روادها العرب، أمثال غالي شكري، والمنظر لها علي أحمد سعيد أدونيس وزوجته خالدة سعيد من سوريا وعبد الله العروي بالمغرب، وكمال أبو ديب من فلسطين، وصلاح فضل، وصلاح عبد الصبور من مصر، وعبد الوهاب البياتي من العراق(...)، هؤلاء وغيرهم من رواد الحداثة العربية لا يمثلون إلا ما رسمه أول من نظر للحداثة في الغرب، بودلير ثم رامبوا ثم مالارمييه، وبول فاليري كما نجد أيضا الأمريكي إزرا باوند، والانجليزي توماس إليوت .
         ونورد هنا مقطعا من كلام غالي شكري يؤكد ما أشرنا إليه حيث يقول: " فالحق أن قطاعا عريضا من شعرائنا قد اتصل بفن إليوت في وقت مبكر، لا لأن "لغة الحديث" هي التي جذبتهم في هذا الفن، بل لأن توقيت اللقاء بين جيلنا والحضارة الأوربية صادف من ناحية ازدهار إليوت على النطاق العالمي."[18]   
         إضافة إلى أن أدونيس ـ باعتباره المنظر الأول للحداثة في الشعر العربي الحديث ـ يعتبر في معرض الرد على من يتبنى فكرة تبعية الحداثة العربية للحداثة الغربية.  أصحاب هذا القول جاهلين للشعر الغربي والعربي على حد سواء. كما أن أدونيس يرى: "أن بعض الشعراء الغربيين الذين يعتبرون أساس الحداثة في الغرب، فهم مع ذلك لم يأخذوا الحداثة من تراثهم."[19]


[1] غالي شكري، شعرنا الحديث إلى أين؟. دار الشروق، طI، بيروت، لبنان، 1991م، ص 102. 

[2] المزدوجات: هي القصائد التي تأتي فيها القافية متنوعة.
[3] مثل هذه الفكرة نجدها عند الدكتور محمد العبد حمود. الحداثة في الشعر العربي المعاصر بيانها ومظهرها. دار الكتاب اللبناني. بيروت لبنان، ط1986م ص 23، 24. وكذلك عند غالي شكري، شعرنا الحديث إلى أين؟. ص 105. 
[4] غالي شكري، شعرنا الحديث إلى أين؟ ص 106، 107.
[5] المجدلية : هي قصيدة طويلة لسعيد عقل حاول فيها التغني بالحب الإلهي وتطويع البيت الشعري ليناسب القصائد الطوال وقد صدرها بمقدمة طويلة يمكن اعتبارها بيانا للاتجاه الرمزي  في الشعر العربي.
[6] غالي شكري، شعرنا الحديث إلى أين؟. ص108.
[7] د.كمال خير بك، حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر. دار الفكر للطباعة. ط I، بيروت. لبنان 1986 ص 42، 43.
[8] ن.م ص 43. بتصرف.
[9] إحسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، دار الشروق. بيروت لبنان طII، 1992 ص 18.
[10] حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر. ص 43. بتصرف.
[11] "أبولو" هو اسم مجلة وتجمع أدبي تأسس في القاهرة سنة 1932 وكان خليل مطران وأحمد زكي أبو شادي من أعضائه الأساسيين.
[12] حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر. ص 44 بتصرف.
[13] ن.م. ص 45 بتصرف.
[14] أدونيس: قصائد مختارة لبدر شاكر السياب. د.ط دار الأدب بيروت 1967.ص 7، 8.
[15] حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر. ص 44 بتصرف.
[16] ن.م. ص 63، 64 بتصرف.
[17] مجلة مواقف ع 15 ص 3 1971. نقلا عن محمد بنيس : الشعر العربي الحديث. ج III، دار تبقال . المغرب. طI، 1990. ص 16.
[18] غالي شكري، شعرنا الحديث إلى أين؟. ص 215.
[19] أدونيس علي أحمد سعيد: فاتحة لنهاية القرن. بيانات من أجل ثقافة عربية جديدة، دار العودة بيروت، طI، 1980 ص 317.

قراءة في كتاب: خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث للدكتور عبد العزيز جسوس.


يضم كتاب (خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث)، للدكتور عبد العزيز جسوس – باستثناء المقدمة و الخلاصات – خمسة فصول أساس، تمحور أولها حول خطاب علم النفس في دراسات الباحثين العرب المحدثين، ويتفرع إلى خمسة محاور، كان أولها عبارة عن تمهيد، أشار من خلاله المؤلف إلى الخطوات الواجب اتباعها قصد الإلمام بهذا الخطاب في النقد الأدبي العربي الحديث.

وحتى يتحقق ذلك، قام المؤلف بتحديد خمسة باحثين محدثين ممن اهتموا بهذا الخطاب، هم : السيد قطب وعز الدين إسماعيل ومحمد خلف الله أحمد وأحمد كمال زكي  وعبد العزيز الدسوقي، وقد تم وضع خطاطة عامة تناولت خصوصية كل واحد منهما على حدة أثناء حديثه عن هذا الخطاب، تم الخروج بناء عليها بمجموعة من الاستنتاجات الأولية،  تشير في مجملها إلى أن هذه الخطاطة تجمع بين فئتين من الباحثين، أولاهما ناقدين متخصصين في هذا الخطاب هما عز الدين إسماعيل ومحمد خلف الله، وثانيهما مؤرخين للنقد الأدبي العربي الحديث، مع تفاوت علاقتهما بهذا الخطاب، ثم إن هذه الدراسات قد صدرت في فترات زمنية متباعدة تتراوح بين سنتي  1947 و1977 ثم إن التأريخ لخطاب علم النفس من قبل هؤلاء يتفاوت حسب الموقع الذي يحتله التأريخ ضمن دراساتهم ، ثم إن هذه الدراسات على الرغم من تاريخها لشيء واحد فإن اصطلاحاتها عليه تختلف، مما يكشف عن علاقة هذا الباحث أو ذاك بهذا الخطاب.[1]

أما المحور الُثاني من هذا الفصل، فيتعلق بمبررات خطاب علم النفس، حيت يلاحظ المؤلف أن أعمال هؤلاء الدارسين من باب تبريرها انفتاح النقد الأدبي العربي على خطاب علم النفس، تؤكد على ارتباط الأدب بالنفس، ثم إن الدراسة النفسية للأدب ليست وليدة العصر الحديث بل تؤول إلى اليونان وبخاصة أرسطو وإلى النقاد العرب القدامى، وفي هذا الإطار تم اعتبار خلف الله احمد رائدا في هذا المجال، وذلك بتخصيصه جزءا من الفصل الأول من دراسته لإسهامات النقاد العرب القدامى في الدراسة النفسية للأدب، ثم الفصل الرابع منها للمنزع النفسي في بحث أسرار البلاغة.[2]
وفي السياق ذاته، تمت الإشارة إلى السيد قطب الذي ميز بين طورين في تأريخه للنزعة النفسية لدراسة الأدب، أولهما: طور تدخل الملاحظة النفسية في فهم الأدب ونقده وهي قديمة  تمتد من صدر الإسلام إلى أن وصلت على يد عبد القاهر الجرجاني إلى قواعد ونظريات، وثانيهما: طور استخدام علم النفس لفهم الأدب ونقده وهو مستحدث ومستمد من الغرب.[3]
أما عز الدين إسماعيل فقد ميز بدوره بين طورين في مجال الدارسة النفسية للأدب، أولهما: طور رصد العلاقة بين النفس والأدب وهو قديم قدم وجود الأدب، وثانيهما: طور دراسة الأدب في ضوء معطيات علم النفس، وهو حديث ارتبط بالنهضة العلمية العربية بعد احتكاكه بالغرب وفي هذا السياق كذلك تم إيراد رأي أحمد كمال زكي الذي يرجع الإرهاصات الأولى للتحليل النفسي للقدم.
و بناء على ما تقدم، يسجل المؤلف مجموعة من الملاحظات التي تشير في مجملها إلى أنه على الرغم من تمييز سيد قطب وعز الدين إسماعيل بين طورين في مجال الدراسة النفسية، والتي تفيد أن الدراسة النفسية الحديثة للأدب لا تختلف عن نظيرتها القديمة في النوع وإنما في الضبط المنهجي وفي الاستقصاء في حين أن الدراسة النفسية للأدب في النقد الحديث، هو انتشار لمفاهيم علم النفس والتحليل النفسي ونظرياتهما ومناهجهما في دراسة الأدب.[4]
ثم إن محرك هؤلاء الباحثين هو إطفاء الشرعية على الدراسة النفسية للأدب في العصر الحديث بالبحث عن الجذور القديمة لهذه الدراسة، إلا أن المؤلف يقف موقفا آخر، هو أن التيارات الفكرية وضمنها النقد لا تنمو كحركة فكرية مفصولة عن شروطها الاجتماعية، ذاهبا في الوقت نفسه إلى أن ظهور علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث لا ينفصل على بروز الطبقة الوسطى بفكرها اللبرالي.
ومن مبررات خطاب علم النفس كذلك، تم عرض مجموعة من التحولات الثقافية الحديثة، من قبيل الإنفتاح على الغرب والنهضة العربية الحديثة، والبعثات الطلابية، وتأسيس الجامعة المصرية، مما يستشف منه تفاعل العالم العربي مع الغرب، لكن هذا التفاعل أيضا ليس هو السبب الوحيد في بروز الإتجاه النفسي في النقد الأدبي العربي الحديث، بل إن "ظهور الطبقة الوسطى التي تبنت الفكر اللبرالي و النزوع الذاتي في الأدب والنقد"، هو الذي كان له الدور الحاسم في بلورة تباشير النهضة العربية الحديثة، ومن ضمنها خطاب علم النفس.[5]
ويشير المؤلف كذلك إلى أن رواد هذا الخطاب في النقد الأدبي العربي الحديث قد آستعرضوا معالم النقد النفسي في أوربا ضمن دراساتهم، إلا أنهم لم يميزوا بين علم النفس والتحليل النفسي، ولا بين الإتجاهات النفسية التي كان لها أثر في النقاد النفسانيين العرب.[6]
وبالإنتقال إلى المحور الثالث الذي يتعلق بنشأة خطاب علم النفس، يعرض المؤلف للخلاف الحاصل بين الباحثين في نسبة الإنطلاقة الأولى لهذا الخطاب لهذا الناقد أو ذاك، والمتراوحة بين طه حسين بالنسبة لسيد قطب وعز الدين إسماعيل ومحمد خلف الله. وبين العقاد بالنسبة لأحمد كمال زكي. وبين عبد الرحمان شكري بالنسبة لعبد العزيز الدسوقي. إلا أن هذا النقاش الدائر حول أول من عقد الصلة بين علم النفس والأدب، ليست له قيمة في نظر المؤلف ولا يدل على عبقرية هذا الناقد أو ذاك، مؤكدا من جديد على "المرحلة اجتماعيا، ببروز الطبقة الوسطى وفكريا، بتبني الفكر اللبرالي وسياسيا ,بتبني شعارات الحرية والديمقراطية، وأدبيا بتبني الإتجاه الذاتي في الإنتاج الأدبي والممارسة النقدية ,وبالتالي فإن الدراسة النفسية مرتبطة بالتحولات الإجتماعية والفكرية والسياسية والأدبية التي عرفتها مصر والتي جددتها ثورة 1919"، ليخص في الأخير "إلى أن خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث قد نشأ في شروط فكرية وثقافية مرتبطة ببروز الطبقة الوسطى وأن الرواد الأوائل للدراسة النفسية للأدب كانوا يتأرجحون بين صورة النفس داخل الأدب وبين توظيف مفاهيم نفسية في دراسة الظواهر والشخصيات الأدبية"[7].
أما بخصوص المحور الرابع، فيتعلق بتاريخ خطاب علم النفس، ومن خلاله كذلك يطلعنا المؤلف على الإختلاف الحاصل بين الباحثين في شأن الحقبة الزمنية التي اهتم بها كل باحث على حدة في تأريخه.[8]
وبناء على ترسمة وضعها المؤلف، أكد أنه سيتوقف على غرارها عند النقاد المذكورين فيها  من أجل مناقشة الموقع الذي يمثله كل ناقد بالنسبة لهذا الباحث أو ذاك في تأريخه والتيار الذي يمثله، وبذلك يستشف المؤلف أن الباحثين يكاد يجمعون على أهمية طه حسين في تاريخ الاستفادة من علم النفس في دراسة الأدب. ولكن برجوع المؤلف إلى كتابات طه حسين عينها يجده لا يتبنى الدراسة النفسية للأدب بقدر ما يدعو إلى الإستفادة من مختلف العلوم في دراسة الأدب. وبعد استعراض مجموعة من النصوص التي تثبت موقف طه حسين من هذا الخطاب، يخلص المؤلف إلى أن طه حسين رغم موقفه المتذبذب والمتأرجح في قبول الإستفادة من هذا الخطاب في دراسة الأدب، فإنه يعتبر ضمن مرحلة الإرهاصات في تاريخ خطاب علم النفس.[9]
كما يستشف المؤلف كذلك أن هؤلاء الباحثين يجمعون على أهمية أقطاب مدرسة الديوان في بلورة هذا الخطاب، حيت يعد المازني أكثر أهمية في تصورهم وخصوصا في دراسته عن ابن الرومي في (حصاد الهشيم)، التي يفسر فيها شيوع الهجاء في شعره بالأزمة النفسية التي يعيشها واستفزاز معاصريه له، وفي دراسته عن بشار التي استنبت من خلالها قضية نفسية عنده وهي عقدة النقص والبحث عن التعويض وهي الفكرة التي بنا عليها (أدلر) - حسب المؤلف- تصوره عن الشخصية مما يعني أن المازني قد استفاد من أدلر في تحليل شخصية بشار، لكن المؤلف يستبعد ذلك لسببين، أحدهما عدم إشارة المازني له إطلاقا، والثاني شيوع تلك الفكرة عند القدامى.[10]
بالإضافة إلى المازني، يشير المؤلف أن لا أحد من هؤلاء الباحثين يماري في أهمية العقاد ضمن خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث، وما من دراسة  من دراساته عن الشخصيات الأدبية والدينية إلا وتستند إلى مفاهيم نفسية. وقد ميز المؤلف بين طورين في علاقة العقاد بخطاب علم النفس، الأولى: تمثلها دراسته عن ابن الرومي "ابن الرومي حياته من شعره" التي يبلغ ربط الأدب بالنفس ذروته عند العقاد، والطور الثاني: تمثله دراسته عن أبي نواس التي تبنى فيها بعض مفاهيم التحليل النفسي والتي أرجأ المؤلف الحديث عنها إلى فصل قادم.[11]
بالإضافة إلى أقطاب مدرسة الديوان، يؤكد المؤلف على أهمية أمين الخولي في تاريخ خطب علم النفس في النقد الأدبي العربي، مؤجلا الحديث عنه إلى الفصل الثاني، أما السيد قطب فعلى الرغم من كون عبد العزيز الدسوقي يعتبره  من دعائم النقد النفسي العربي الحديث فإن المؤلف يذهب مذهب باقي الباحثين الآخرين من أن سيد قطب يتردد في الإقبال على توظيف هذا العلم في النقد الأدبي وبإفراد مجموعة من الشواهد خاصة من كتابيه (كتب وشخصيات) و(النقد الأدبي أصوله ومناهجه)، يتضح أنه "ممن يقترحون الاستفادة من علم النفس في النقد الأدبي دون تبنيه كاختيار وحيد"[12].
وهكذا، يمضي المؤلف ليتوقف عند الأستاذ محمد خلف الله، فيعتبره "مرحلة في تاريخ هذا الخطاب" مستعرضا في هذا النطاق سيرته المتعلقة بالدراسة النفسية للأدب المستقاة من تمهيد كتابه (من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده)، ومرجئا الحديث عنه بتفصيل إلى الفصل الثاني, ليشير بإيجاز في نهاية هذا المحور إلى باحثين آخرين كانت لهم أهمية كبيرة في تاريخ هذا الخطاب وهم محمد النويهي وحامد عبد القادر مع عبد الحميد حسين اللذين ظهرا في أواخر الأربعينات، وتلاهما في الفترة نفسها الباحث المتخصص الدكتور مصطفى سويف، ثم الدكتور عز الدين إسماعيل آخر حلقات هذا الخطاب في الفترة المحددة لهذه الدراسة.[13]
أما بالنسبة للمحور الخامس والأخير من هذا الفصل، فيتعلق بمراحل علم النفس وتياراته، ففيما يخص المراحل يشير المؤلف أنه لا أحد من الباحثين السابقين قد اهتم بتحديد المراحل التي قطعها خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث، وبعد متابعته لأعمال رواد هذا الخطاب - على حد قوله – استطاع التمييز بين ثلاث مراحل أساس هي: مرحلة الإرهاصات الممتدة من بداية العقد الثاني إلى حدود 1930 ثم مرحلة التأسيس وتمتد من 1930 إلى حوالي 1950 ثم مرحلة النضج وتمتد من حوالي 1950 إلى 1963( السنة المحددة لهذا العمل).
أما فيما يخص التيارات، فإن المؤلف يشير كذلك إلى أنه لا أحد من الباحثين اهتم بتحديدها. لكن بمتابعة المؤلف لأعمال الرواد من هذا الخطاب يميز بين ثلاث تيارات أساسية هي: تيار النقد النفسي, وتيار التحليل النفسي للأدب، وتيار علم النفس الأدبي.[14]
هذا فيما يتعلق بالفصل الأول, أما الفصل الثاني، فيتمحور حول تيار النقد النفسي الذي يتفرع إلى ثلاث محاور أساس، كان أولها عبارة عن تمهيد أشار من خلاله، إلى أن قانون الهيمنة هو الذي سوغ البداية  بالحديث عن هذا التيار المتميز بأهمية إصدار الحكم في النقد الأدبي, كما يتضح ذلك عند أمين الخولي وعند الأستاذ محمد خلف الله وعند الأستاذ حامد عبد القادر وبوضع معايير للنقد الأدبي كما هو الأمر عند عبد الحميد حسن في دراسته ( الأصول النفسية للأدب)، كما تميز أيضا بتبني علم النفس الوعي. الذي تتجلى بعض مفاهيمه في دراسات رواد هذا الإتجاه.[15]
أما فيما يخص المحور الثاني، فيتعلق بالدعوة إلى شرعية الدراسة النفسية للأدب، والتي تتضح بشكل جلي عند كل من أمين الخولي ومحمد خلف الله . فبالنسبة لأمين الخولي نجد المؤلف يشير إلى أن عمله في مجال الدراسة الأدبية يتميز بدعوتين أساسيتين: أولاهما هي الدعوة إلى الإقليمية في الأدب، وثانيهما هي الدعوة إلى الإستفادة من علم النفس لتجديد دراسة الأدب والبلاغة والتفسير التي تبلورت على - على حد تعبير المؤلف - في دراساته التي من أبرزها كتابه (مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب) والتي تتجسد من خلالها "دعوة الخولي إلى إضفاء الشرعية على الدراسة النفسية للأدب سواء بتأكيد أهمية الآداب في حياة الأمم أم بدور الأدب في النهضة الإجتماعية أم بأهمية علم النفس في ثقافة المتأدبين منتجين ونقاد لتأسيس الجديد والقضاء على المنحط "، وهكذا يلاحظ المؤلف أن الخولي يقترح ( المنهج الأدبي )، الذي يقوم على منهجين، خارجي ثم داخلي، وضمن المنهج الداخلي يقترح أولا وصل الأديب بأدبه ثم النظرة إلى أدب الأديب جملة.[16]
وقد أشار كذالك المؤلف من ضمن ما أشار إليه أن الخولي يقترح كذلك تطبيق هذا المنهج في تفسير القرآن وذلك بعد تشذيبه شيئا ما.[17]
أما بالنسبة لمحمد خلف الله, فيعرض المؤلف في بداية حديثه عنه على نقطة آلتقائه مع أمين الخولي والمتجلية في مسألتين جوهريتين هما: دراسة القرآن باعتباره أثرا أدبيا والدعوة إلى الدراسة النفسية للأدب الأكثر وضوحا وتأثيرا في الأجيال اللاحقة وذلك بالبحث عن جذور الدراسة النفسية للأدب في التراث النقدي العربي القديم، ثم ربط الدراسة النفسية للأدب بالتراث النقدي الأوربي وبعمدة الأدب والنقد العربيين (د طه حسين)، ثم تأكيده على الطابع النفسي للأدب وتأكيده على ضرورة توفر الناقد على ثقافة موسوعية تمكنه من استجلاء غوص الظاهرة الأدبية من ضمنها ثقافة الناقد العلمية القائمة على علم النفس.[18]
ويلاحظ المؤلف أن خلف الله لم يتبنى اتجاها نفسيا معينا بل يدعو إلى (الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده)، لكنه يميل إلى علم النفس الوعي الذي يطعمه بمعطيات من التحليل النفسي وعلم النفس التجريبي، وعلى الرغم من دفاعه عن الإتجاه النفسي في دراسة الأدب، فإنه لا يلغي الإستفادة من العلوم الإنسانية الأخرى في دراسة الأدب.[19]
هذا، ويشير المؤلف إلى أن إحساس خلف الله بغياب النماذج التطبيقية عنده، دفعه إلى إصدار دراسة في هذا الجانب تحت عنوان (دراسات في الأدب الإسلامي)، تناول من خلالها عدة شخصيات وفق منهج واحد نعته بتحليل الموضوع تحليلا تاريخيا نفسيا، هذا التحليل الذي يبدو باهتا في بعضها، وقد توقف المؤلف عند نموذجين من هذه الدراسة هما الغزالي والنزوع العقلي، كما يتجلى في كتاب (المنقذ من الضلال )، وذلك في ضوء نظرية التحليل النفسي (الأنا، الأنا الأعلى، الهو ) التي أوقعته في تحليل الشخصية بدل تحليل النصوص، ثم عبد القاهر الجرجاني وسيكولوجية التأثير الأدبي من خلال كتاب (أسرار البلاغة ).[20]
أما فيما يخص المحور الثالث، فيتعلق بوضع قواعد نفسية لنقد الأدب. حيت نجد المؤلف يستعرض رأي كل من عبد الحميد حسن الذي يهتم بالأدب من زاوية المرسل وحامد عبد القادر الذي يركز على زاوية المتلقي[21].
فأما عبد الحميد حسن، ففي كتابه "الأصول الفنية للأدب" بعدما دافع عن شرعية الدراسة النفسية للأدب، بالاستناد إلى وجدانية الأدب والفنون. راح إلى تحليل الأصول الفنية للأدب في ضوء معطيات علم النفس، التي من ضمنها العاطفة، حيت قام بتعريفها وحدد أنواعها ودورها في إنتاج الأدب وتلقيه، ثم الخيال الذي حدد مفهومه ووظيفته في الإنتاج الفني للأدب ثم أنواعه وأبعاده في النقد والبلاغة والأدب عند العرب، ثم الحقائق والأفكار، فميز بين مصدرين للحقائق بالإعتماد على فرويد، العقل الواعي والعقل الباطن، كما تعرض للأسلوب، الذي يمثل في نظره صورة الأدب المادية، فميز بين ثلاثة أنواع من الأساليب هي: الأسلوب العلمي والأسلوب الأدبي والأسلوب الشعري. وهكذا يخلص المؤلف إلى أن عبد الحميد حسن قد شغل بوضع قواعد نفسية لنقد الأدب، ثم إن مرجعيته النفسية تعود إلى علم نفس الوعي ثم ارتباطه بالمناخ الثقافي والسياسي الذي طبع مرحلته كالتأكيد على حرية الأديب في التعبير والوظيفة الأخلاقية للأدب ثم التركيز على زاوية المرسل.[22]
أما فيما يخص حامد عبد القادر، فيشير المؤلف إلى الطابع التعليمي الذي يطغى على كتابة (دراسات في علم النفس الأدبي)، الذي يسعى من خلاله إلى تأسيس (علم النفس الأدبي)، فيؤطره ضمن البحوث النفسية التي تهتم بدراسة الحياة العقلية للإنسان مما يقود إلى التوقف عند العمليات العقلية المؤثرة في الإنتاج والتقدير الأدبيين. كالإدراك الحسي والتصور والخيال وتداعي المعاني والحكم والتعليل والحياة الوجدانية التي لا تلغي وجوب إلمام الناقد بعلم اللغة وعلم النفس.[23]
بالإضافة إلى ذلك، يعرج المؤلف على مقترح حامد عبد القادر المنهجي، لتفادي الشطط في النقد المعتمد على العلم والذي يقوم على تحديد صفات الناقد الأدبي أو الفني من جهة، وعلى الأحداث العقلية التي تحدث عند تقدير الأدب من جهة ثانية، ليتم في النهاية الخروج بأن حامد عبد القادر ينتمي إلى تيار النقد النفسي  وذلك بدفاعه عن أهمية علم النفس في فهم عمليتي الإنتاج والنقد الأدبيين وبلورة تصور عن عمليتي الإنتاج والنقد الأدبيين.[24]
أما فيما يخص الفصل الثالث، فيتمحور حول تيار التحليل النفسي للأدب. ويضم أربعة محاور أساس، أولها عبارة عن تمهيد، أشار من خلاله المؤلف إلى المكانة التي يحتلها تيار التحليل النفسي للأدب مقارنة بباقي التيارات الأخرى وإلى الفترة التي برز فيها، المشحونة -على حد تقدير المؤلف - بنوع من الصراع، ليشير بعد ذلك إلى أهم رواده كالعقاد والنويهي وعز الدين إسماعيل، وإلى الإرهاصات الأولى لهذا الإتجاه التي بدأت مع محمد خلف الله وستعرف تطورها مع العقاد في دراسته الأولى عن (ابن الرومي) ودراسته المتكاملة عن (أبي نواس) ودراستيه المقتضبتين عن (جميل بتينة) و(عمر ابن أبي ربيعة) المتوقف عندهما في هذا التمهيد.[25]
أما ثاني محاور هذا الفصل، فيتعلق بالموقف من التحليل النفسي؛ حيت استعرض المؤلف أهم أراء رواد هذا التيار اتجاهه؛ المتراوحة بين إقرارهم بأهميته في كشف وتفسير الشخصيات والظواهر الأدبية، وبين إبداء تحفظاتهم من الإقتصار عليه في الممارسة النقدية. واتقادهم لبعض مفاهيمه أحيانا؛ هذا ما يستشفه المؤلف عند كل من العقاد والنويهي وعز الدين إسماعيل، حيت أن العقاد رغم إقراره بضرورة التحليل النفسي في الممارسة النقدية، فإنه لا يلغي من حساباته أدوات نقدية أخرى كتوفيقه بين (البواعث النفسية) و(العوامل الطبقية) في تحليله لجميل بتينة وعمر ابن أبي ربيعة[26].
وهكذا يعرض المؤلف لجملة من الانتقادات، وجهها العقاد إلى التحليل النفسي, كمؤاخذته على فرويد عدم احترام قواعد العلم التي تقضي التحري في إصدار الأحكام العامة، وعدم قبوله لتفسير فرويد للشذوذ الجنسي باختلاف في التوازن بين خواص الذكورة والأنوثة في الشخصية كما اتقد تفسير فرويد لغيرة الطفل من الأب تفسيرا جنسيا. وانطلاقا من عقدة أوديب, لكن هذه الإنتقادات تبقى في نظر المؤلف متأرجحة بين القبول والرفض لقيامها على مناقشة جزئيات التحليل النفسي واقتناعها بلبه.[27]
ويسجل المؤلف كذلك رد النويهي على محمد مندور في انتقاده لخلف الله، في كتابه (في الميزان الجديد)، وقد كان رد النويهي قائما بشكل عام على تأكيده على أهمية العلم في الدراسة الأدب، ومن ضمنه التحليل النفسي الذي اضطر إليه اضطرارا في دراسته حول أبي نواس الذي تميزت نفسيته بالتعقيد والشذوذ.[28]
كل ما تم ذكره حول العقاد والنويهي يصدق كذلك في حق عز الدين إسماعيل, الذي أقر بدوره على أهمية التحليل النفسي في دراسة الأدب, مع إدراجه له ضمن علم النفس الذي أصبح علم القرن العشرين كما أنه يدعو إلى استغلال كل ألوان المعرفة الأخرى لتأويل العمل الأدبي تأويلا صحيحا ,كما يبدي مجموعة من التحفظات خصوصا في مسألة ربط الأدب بالدوافع الجنسية.[29]
وخلاصة هذا المحور، أن هؤلاء الباحثين يشتركون في أن الأدب تعبير عن الذات، مما سوغ لهم توظيف التحليل النفسي في ممارساتهم النقدية كما أن توظيفهم لهذا المنهج محاط بعدة تحفظات لا تقوم على أسس علمية وإنما ترتبط بمناهج أخرى. كما أنهم بالإضافة إلى توظيفهم للتحليل النفسي لا يلغون الأخذ بالتوجهات النقدية الأخرى.[30]
بعد ذلك يأتي المحور الثالث، المتعلق بتحليل شخصيات الأدباء. حيت تمت الإشارة إلى أن اختيار بعض الشخصيات دون أخرى لم يأت اعتباطا، بل هناك مجموعة من العوامل هي التي تحكمت في ذلك, ومن هذا المنطلق ذهب المؤلف إلى أنه سيركز على أربع دراسات تحليلية ثلاثة منها للنويهي، عن ابن الرومي وبشار وأبي نواس. والرابعة للعقاد حول أبي نواس.[31]
فأما بالنسبة لدراسة النويهي عن ابن الرومي, فإن المؤلف يعطينا موجزا عنها، والتي حدد من خلالها النويهي في البداية ملامح الحركة النقدية في النصف الأول من القرن العشرين في مصر، وخصص البابين الأولين للحديث عن ثقافة الناقد الأدبي بتلخيصها في مجموعتين، الأولى ثقافة أدبية واسعة تكتسب عن طريق إلمام الناقد بأدب ولغة أمته والإطلاع على الآداب الأوربية، والثانية ثقافة علمية كعلم النفس البيولوجية (...) وقد بسط في ذلك مجموعة من الأدلة، ليقوم في ضوء ذلك بدراسته التطبيقية حول ابن الرومي والتي انطلق فيها من مناقشة كل ما قدمه المازني والعقاد حول (ابن الرومي)، وخصوصا في قضيتين أساسيتين هما طبيعة عبقرية ابن الرومي وطبيعة مميزات شعره، كما أفاض في تحديد ثغرات دراسة العقاد عن ابن الرومي التي تحدى فيها حقائق العلم لإثبات عبقرية يونانية ابن الرومي، بخلاف ذلك سيتجشم النويهي عناء تحليل ابن الرومي بمسايرة "مقتضيات العلم التي تقتضي تحديد العناصر الفاعلة في تكوين وطبعها بطابع مميز" والتي قسمها إلى عناصر خارجية (البيئة) وعناصر داخلية (التكوين الجسمي للشخصية)، التي تدخل ضمنها القوى الباطنية غير النوعية. وعلى غرار هذه العناصر حدد النويهي ثلاثة أصناف من الشخصيات الأولى تطغى عليها العناصر الخارجية، كبشار ابن برد، والثانية تطغى عليها العناصر الداخلية كابن الرومي، والثالثة تتعادل فيها العناصر، كأبي نواس.[32]
وهكذا سيستمر المؤلف في استعراض طبيعة شخصية ابن الرومي في تصور النويهي، الذي انطلق من العناصر الداخلية باعتبارها "الفاعل الأساسي في طبع شخصية ابن الرومي بطابع متميز (غاضا الطرف عن الجانب الخارجي)، وقد وزع هذه العناصر بدورها إلى عناصر بيولوجية معتمدا في ذلك - على حد تعبير المؤلف – على أشعاره وأخباره [ كان نحيلا، دائم الإعتلال، شرها، شاحب الوجه، مختل الأعصاب، قصير اللحية مضطرب الجهاز الجنسي] ثم عناصر نفسية [ كان قليل الجلد، ضعيف الإحتمال، كثير الضجر، شديد التوهم والخو،, مستغرق التفكير، شديد التطير ...].[33]
وقد تولد عن وضعية ابن الرومي البيولوجية والنفسية صراعان: صراع بين نتهمه نحو الطعام وإدراكه لضعف معدته واضطراب هضمه وصراع بين طمعه في المال ومخاوفه وتطيره مما عذب نفس ابن الرومي وزاد من اضطرابه, واتصافه بالخلل العقلي مما جعل شخصيته تتصف بالإنكماش والإنطواء على الذات.[34]
وفي ضوء ذلك ينتقل النويهي لدراسة شعر ابن الرومي بربطه بتاريخ الشعر العربي القديم مركزا على (بروز الشخصية في الشعر) ومستخلصا لمظاهر التجديد في شعره التي تكمن في التحليل النفساني لشخصيته ولتجاربه ثم الهجاء وهو تحليل لشخصية غيره، وفي هذا المضمار يشير المؤلف إلى التحليل الذي قدمه النويهي لقصيدة دع اللوم المعبرة عن نفسية إنسانية معذبة حائرة مقتصرا على الإشارة العامة إلى تألق ابن الرومي في الهجاء منتهيا إلى عربية شعر ابن الرومي مهما كان أصله الجنسي.[35]
أما عن دراسة النويهي لبشار والتي ركز فيها على العنصر الخارجي (البيئي)، فقد تناوله من جانبين, الأول: ظلام (أعمى، دميم، مشاكس، فاجر...) والثاني: نور (بار، كريم، صادق، صفوح...)، منتهيا بشكل عام إلى أن أثر البيئة أقوى من العوامل الفطرية  في تكوين شخصية بشار، و"لو عاش بشار في بيئة مخالفة لظلت ثلاث عوامل طبيعية فيه (عماه، دماثته، حدته الشعورية والجنسية) ولو عاش في بيئة مخالفة لخفت نواحي الشر فيه وقويت نواحي الخير".[36]
ويبقى تحليل النويهي لشخصية بشار لأجل التعرف على شعره الذي سيطرت فيها القصيدة الغزلية على معظم شعره؛ (أكثر من 60 بالمائة)، والتي تم تفسير شيوعها عنده بكونها الملجأ إلى التنفيس عن مكبوتاته النفسية[37].
أما بخصوص دراسة النويهي لأبي نواس الذي تتوازى عنده المعادلة (بين تأثير العناصر الداخلية والخارجية)، مما أضفى على شخصيته طابع التعقيد، حيت كان محكوما على حد تعبير المؤلف بعقدة أوديب، لكن زواج أمه وعدم الإهتمام به أدى به إلى وعكة نفسية نتج عنها نفوره من النساء إلى الغلمان والبحث عن التعويض الذي وجد ملاذا له في الخمر، وهذا ما انعكس على شعره "فاشتهر بشاعر الخمرة  والغزل بالمذكر والإباحة"، ويعتبر ذلك تعبير عن حاجة عميقة ملحة وعن اضطرار نفساني غلاب كان فيه جادا تمام الجدية، مما دفعه إلى الدعوة إلى تجديد الشعر ليتناسب والتعبير المباشر عن أحاسيس الذات وأزماتها بتجاوز القوالب الجاهزة، وللمؤلف في ذلك التحليل وجهة نظر، يمكن تلخيصها في أن النويهي قد تناول شخصية أبي نواس بمعزل عن شعره، كما أنه لم يحسن تطبيق عقدة أوديب.[38]
وفي النطاق نفسه، وحول الشخصية ذاتها تأتي دراسة العقاد، الذي حلل شخصية أبي نواس، مستلهما  هذه المرة لعقدة النرجسية التي يعتبرها "آفة نفسية تولد مع صاحبها في رأي بعض النفسانيين وتنشأ مع التربية وعوارض المعيشة الإجتماعية في نظر الآخرين." مخالفا بذلك فرويد، وفي هذا السياق يستعرض المؤلف أهم شعاب النرجسية كما أوردها العقاد ليعتبر نرجسية أبي نواس آفة نفسية تتكون من عناصر ولد ببعضها واكتسب عناصر أخرى من البيت الذي تربى فيه والعصر الذي عاشهّ، وعلى أساس تلك الشعاب - على حد تعبير المؤلف - فسر العقاد سلوك أبي نواس الشخصي والأدبي وبالتالي فما لحظ عن النويهي يصدق عن العقاد.[39]
وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف قد توقف بنظرته الدقيقة على المنطلقات المتفقة عند الناقدين في تناولهما لشخصية أبي نواس، والنتائج المتباينة مما استوجب عليه التساؤل حول مكمن الخلل، هل في التحليل النفسي؟ (العلم) أم في المحللين؟ (العالم) أم في الموضوع؟ وكل هذا يؤكد أن التحليل النفسي "لم يستطع تأسيس معرفة علمية بالظاهرة المدروسة".[40]
أما بالنسبة للمحور الرابع والأخير من هذا الفصل فيتعلق بتحليل النصوص الأدبية، حيت يذهب المؤلف إلى أن التعامل مع هذه النصوص يتم إما باعتبارها وثائق تؤكد التحليل النفسي أو الكشف من خلالها عن التجليات النفسية للشخصية المحللة، وبهذا المنطق تم عرض تجربة كل من النويهي وعز الدين إسماعيل في هذا المجال، حيت أن النويهي لم يحدد منهجيته في التحليل، إذ باشر تقديم نصوص لبشار قسمها إلى مجموعتين: الأولى وظفت لتأكيد سمة نفسية في الشخصية والثانية, غزلية تمثل شعره التجديدي.[41]
وبتتبع المؤلف لتحليل النويهي لهذه النصوص استطاع الكشف عن منهجيته التي تقوم على تقديم النص، ثم شرح الأبيات ثم تحديد معناها الإجمالي، ثم التعليق عليه, الذي يركز فيه إما على أهمية الدراسة النفسية للفهم المزدوج للشخصية والشعر، أو على القيمة الفنية والأخلاقية للنص أو على مسألة نقدية، وعلى هذا الأساس تم استخلاص مقولات من قبيل (الفهم والتحليل والحكم) باعتبارها المركز في تحليل النويهي.[42]
وقد تأكد المؤلف أن الطريقة التي قصدها النويهي في  تحليله السابق، هي نفسها المتبعة في تحليل بعض المقطوعات والمطولات عند ابن الرومي الشعرية، مركزا على نموذجين تحليليين هما قصيدة (دع اللوم)، التي تشكل نموذج القصيدة التي يستبطن فيها ابن الرومي ذاته، والثانية تقوم على ما أسماه بالإستدلال العكسي.[43]
هذا عن تجربة النويهي أما عز الدين إسماعيل فيتميز بالإنفتاح بتحليله على مجال الرواية والمسرحية، و على الآداب الأوربي والعربي الحديث، و على هذا الأساس انطلق المؤلف بعرض تحليل عز الدين إسماعيل للنصوص الشعرية،  حيت اكتشف تركيز المحلل على بعض عناصر القصيدة دون أخرى ك(الموسيقى والصورة) وفي أبيات مفردة في غالب الأحيان ماعدا قصيدة حديثة لعبده بدوي وعموما فإن معظم تفسيرات عز الدين إسماعيل لهذه الأبيات، يرجعها إلى ألاشعور الكامن وراء المبدع.[44]
أما عن تحليله للنصوص المسرحية، فيشير المؤلف إلى تحليله لمسرحيتين أوربيتين هما: (هاملت) لشكسبير، و(أيام بلانهاية)ليوجيل أونيل، ومسرحية عربية (سر شهرزاد) لبكثير، ومنهجيته في ذلك هي تلخيص أحداث المسرحية، ثم عرض مختلف التفسيرات حول القضية المحورية، مع الإهتمام بالموضوعات المركزية في المسرحيات ويرجعها إلى العقدة الأساسية وهي في الغالب(عقدة أوديب)، ولا يربط النص بالمؤلف بقدر ما يربطه بالبطل.[45]
أما تناوله للنصوص الروائية، فقد خصص له الباب الرابع من دراسته وركز فيه على رواية (الإخوان كرامازوف) لدستوفسكي، و(السراب) لنجيب محفوظ، وخطواته المنهجية في ذلك كما يقدمها المؤلف باعتبارها الأساس لديه؛ هي تلخيص أحداث الرواية ثم تفسير هذه الأزمة في ضوء التحليل النفسي. وبذلك يكون عز الدين إسماعيل قد أذاب ب"طريقته هذه، الفوارق الأدبية حيث تعامل مع الرواية والمسرحية بمنطق واحد.[46]
وهكذا يلاحظ المؤلف بشكل عام، أن النماذج المحللة تركز على مضمون النص دون الجوانب الفنية، كما تم تذويب الفوارق بين الأنواع الأدبية، وتنتقي عناصر من النص المحلل مما يسقطها في التعميم كما تجتث الشخصية المحللة من واقعها الإجتماعي والثقافي وتختزلها في حالة نفسية تبرر بها مضامين الأعمال وفي ختام هذا الفصل يسجل المؤلف مجموعة من الملاحظات يضيفها إلى ما تقدمها.[47]
أما فيما يخص الفصل الرابع، فيتمحور حول تيار علم النفس الأدبي (مصطفى سويف نموذجا). بحيث يتفرغ إلى ثلاثة محاور أساس. أولها كالعادة عبارة عن تمهيد، تم فيه التعريف بعلم النفس الأدبي، وبمميزاته عن باقي التيارات الأخرى وعن الإرهاصات الأولى لظهوره.[48]
وبعد ذلك، يأتي المحور الثاني المتعلق بتصور سويف عن عملية إبداع الشعر، حيث استعرض المؤلف في البداية لمنهج سويف الموسوم "بالمنهج التجريبي التكاملي"، الذي يستلهم فيه - حسب وجهة نظر المؤلف – النظرية الجشطلتية في تحديده ثلاث لخطوات: الأولى، هي تكوين فكرة إجمالية عن الكل. الثانية، هي تحقيقها بالتجربة. والثالثة، إثبات العرض ليصبح نظرية، وهذا المنهج ينسجم – حسب المؤلف- والدراسة التي قدمها سويف والقائمة على التجربة الأدبية المعتمدة على (الإستخبار والإستبار وتحليل المسودات) لمعالجة قضية دقيقة في الظاهرة الأدبية، هي كيف يبدع الشاعر القصيدة؟[49]
هذا ويبقى مرد اختيار سويف للشعر دون بقية الأنواع الأدبية الأخرى، لا لشيء إلا لتحديد ميدان البحث، ثم شيوعه في الثقافة العربية مقارنة بباقي الأنواع الأخرى، ومن تم ينطلق "في دراسة كيفية إبداع الشاعر للقصيدة من مسلمة عامة حول السلوك البشري باعتبار الفن وضمنه الشعر ظاهرة سلوكية".[50]
وما دام الشعر يندرج ضمن مجال العبقرية، فإن هذا يلزم سويف التوقف عندها لتحديد كيفية نشوئها؛ الذي يتم عن طريق الصراع والتصدع الذي يواجه الشخصية.[51]
وهكذا راح سويف يتساءل عما يميز الشاعر عن بقية العباقرة ، سالكا في ذلك إبداء تصوره عن عملية الإدراك؛ التي تتم بطريقة منظمة معتمدة في ذلك التصنيف، الذي يعتبر حقيقة سيكولوجية يؤطر إدراك الشخص في (إطار) محدد ويضفي على الأشياء المدركة دلالة معينة، وهكذا تم تحديد سمات الإطار الذي يبقى هو السبب النوعي لعبقرية الشاعر.[52]
وهكذا يقدم سويف على إجراء تحقيق تجريبي؛ لإختبار فراضية (الإطار لدى الشاعر), معتمدا في ذلك مجموعة من النصوص لشعراء مختلفين ونصوص نقدية لنقاد متباينين, حيت ينتهي إلى أن الأدبي يكتسب الإطار عن طريق الإطلاع, ثم لابد أن تكون هذه العملية منظمة. وعن هاتين الخالصتين يرتب مجموعة من الخلاصات الصغرى الأخرى، تفضي به إلى نتيجتين, الأولى: هي أن الشاعر شخص يحمل إطارا شعريا أقوى من أطر التعبير الأخرى, والثانية: هي أن مهمة الإطار كعامل نوعي في عبقرية الشاعر لا تتضح إلا بأن نضع هذا الإطار في بناء شخصية تعاني توثرا دائما من ضغط الحاجة إلى نحن، وهكذا يتضح أن العبقرية هي الشخص الذي يحس باختلال في (النحن) بسبب المفارقة التي يحسها بين المجال الداخلي والخارجي، فيسعى إلى خلق انسجام بينهما.[53]
أما المحور الثالث، فيتعلق بمناقشة هذا التصور على مستويي المنهج والنتائج. أما فيما يخص المنهج, فمن أبرز ملاحظات المؤلف حوله نسجل مساواة سويف بين العلوم التجريبية والعلوم الإنسانية من جهة الموضوع، نقل المنهج التجريبي إلى دراسة الظواهر الإنسانية أفقده بعض خصوصياته، ثم تجزيء القضية المدروسة، اعتماده في التحقيق على دراسات أوربية واعتبر شهادات الشعراء العرب وثائق مؤكدة، ثم فصل القضية المدروسة عن شروطها التاريخية والإجتماعية ثم تعميمه لنتائج الدراسة على كافة الشعراء باختلاف أزمنتهم وأمكنتهم.[54]
أما فيما يخص النتائج، فمن أبرز ملاحظات المؤلف حوله أنه قدم تصورات وضعية على ظاهرتي الإلهام والعبقرية اللتين كانتا تفسران تفسيرات غيبية، ثم تجزيئه للظاهرة الأدبية إلى جزئيات والإقتصار على دراستها، ُثم الحفر في الأسس النفسية للإبداع الفني قد أدى به إلى إعطاء الأولوية لتفسير الظواهر الأدبية إما تفسيرات نفسية أو ثقافية.[55]
وأما الفصل الخامس والأخير، فيتمحور حول خطاب علم النفس بين النزوع العلمي والمسوغات الفكرية والإجتماعية. ويتضمن ثلاثة محاور أساسية أولها عبارة عن تمهيد، استعرض من خلاله المؤلف أهم ملاحظاته حول تتبعه لتيارات خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث، التي تتشابه في منطلقاتها أي السعي إلى إكساب النقد الأدبي الطابع العلمي، وفي وسائلها (علم نفس الوعي, التحليل النفسي، علم النفس السلوك) لكنها تختلف في أهدافها، ومن الملاحظ كذلك حول هذه التيارات، أنها تهتم بزاوية واحدة من زوايا الظاهرة الأدبية وهي (الأدب في علاقته بالمرسل)، كما أن خطاباتهم النقدية  كانت تطغى عليها الإنتقائية والتعميمية والإسقاط والتأملات المفتقرة إلى أسس علمية في تصوراتها ومناهجها.[56]
وهكذا يكون المحور الثاني قد خصص إلى النزوع العلمي لخطاب علم النفس، والذي انطلق فيه المؤلف من استثناء تيار النقد النفسي وتيار علم النفس الأدبي من المناقشة مبقيا لتيار التحليل النفسي للأدب في الواجهة نظرا للنقاش الدائر سواء حول مفاهيمه أو علميته أو مصداقية نتائجه.[57]
فبالنسبة لعلمية التحليل النفسي، فقد قدم المؤلف موقف كل من طه حسين وحسين مروة، إذ ميز الأول بين علم النفس والتحليل النفسي لأن علم النفس في نظره يرقى إلى العلمية بينما التحليل النفسي بقي دون ذلك، منتقدا في الوقت نفسه نظريته المحورية وهي (عقدة أوديب)، ومشككا في إفادة النقاد والناس منه، أما حسين مروة فلم يعترض للتحليل النفسي لعلميته بل لأنه يعكس هيمنة طبقة اجتماعية معينة أفرزتها الحضارة الأوربية مركزا اعتراضه على مفهوم (ألاشعور) ودوره في التحكم في سلوك الإنسان  الذي أعطه دلالة مغايرة تنسجم مع توجيهه الفكري والنقدي الأدبي المؤسس على (الواقعية الجديدة)، وعلى هذا الأساس سينتقد حسين مروة الدراسات النقدية المنبنية على ألاشعور الفرويدية عند كل من العقاد والنويهي.[58]
أما بالنسبة لعلمية النقد الأدبي، فقد تم عرض رأي طه حسين في دعوته إلى إفادة النقد الأدبي من مختلف العلوم مع ضرورة الإحتياط من السقوط في التقليد الأعمى، وهو أمر أثار حافظة طه حسين عندما "لاحظ مبالغة العقاد في الحديث عن الغدد وأنواعها في دراسته عن أبي نواس وهو لم ير لا غدده ولا جثته". كما تم عرض موقف محمد مندور الذي "اعترض على نقل مناهج العلوم وخلاصاتها إلى النقد الأدبي وإن لم يعترض على أن يتوفر الناقد على معرفة علمية"، وبتقييم المؤلف لموقف محمد مندور ينتهي إلى "أن النقد الأدبي سواء كان موضوعه الأدب أم الأدبية وإن سعى إلى وضع قواعد علمية يبقى محفوفا بالتصورات الإيديولوجية باعتبار الطبيعة الإيديولوجية لموضوعه وتبقى محاولات وضع قواعد لدراسة الأدب باختلاف الزمان والمكان محفوفة بالمزالق بدليل أن المحاولات المعاصرة مازالت تلغي نفسها بتطور البحث والدراسة وتؤوب إلى اعتبار الأدب "شكلا إيديولوجيا" لا يمكن دراسته والإستفادة منه إلا وفق شروط الزمان والمكان الخاصة، خصوصا وأن الإنتاج الأدبي ليس غاية في ذاته وإنما يهدف إلى تكريس تصورات أو نفسيات معينة تكون منغرسة في بناء إيديولوجي معين.".[59]
أما بالنسبة لمصداقية نتائج التحليل النفسي، فقد ركز المؤلف على موقف كل من طه حسين وحسين مروة في مناقشتهما لنتائج التحليلات النفسية التي قدمت حول شخصية أبي نواس بحيث ينعت "تفسير النويهي لشخصية أبي نواس بعقدة أوديب - المشكوك فيها تاريخيا – بالإسراف وينعت تفسير العقاد القائم على عقدة النرجسية بأنه لا يحمل جديدا في ذاته إذ كان القدماء يسمونه الإعتداد بالنفس وهكذا – حسب المؤلف – "قد ركز اعتراضاته على نتائج التحليل النفسي لشخصيات الأدباء على الجانبين:
·           الأول: إن شخصية الأديب لا تؤول أعماق كانت وإنما تجد تفسيرها في المحيط الإجتماعي الذي تعيش فيه.
·           الثاني: إن النقد الأدبي لا يقوم على تحليل شخصيات الأدباء وإنما يقوم على الدراسة الفنية لأدبهم.[60]
أما موقف حسين مروة الذي ينطلق من سنده الفكري (الواقعية الجديدة) لمناقشة العقاد والنويهي في تحليلهما لشخصية أبي نواس، حيت يشير من ناحية إلى أن العقاد قد أفرغ الشخصية من علاقاتها الإجتماعية وتناولها كجزيرة معزولة تكتسب دلالتها من ذاتها لا من علاقاتها، وهذا عيب التحليل النفسي برمته ومن ناحية ثانية إلى أن النويهي لم يهديه التحليل النفسي إلى حقيقة أبي نواس، خصوصا وأن نتائجه تدل على عكس حقيقة أبي نواس، وما يثبت عدم نجاعة التحليل النفسي بالنسبة لحسين مروة هو اكتشافه أثناء المقارنة بين الدراستين أن منطلقهما واحد لكن النتائج تختلف.[61]
وهكذا يرتب المؤلف على مناقشة طه حسين وحسين مروة مجموعة من الخلاصات، أتبعها بخلاصات عامة حول النزوع العلمي لخطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث, لينتقل بعد ذلك إلى المحور الثالث والأخير، المتعلق بالمسوغات الفكرية والإجتماعية لخطاب علم النفس. حيت عرض المؤلف في البداية لظروف نشأة وتطور علم النفس في أوربا، الذي جاء نتيجة هيمنة الفكر اللبرالي الذي أنتجته الطبقة البرجوازية الأوربية إلا أنه لابد من التمييز بين مرحلتين في تاريخ علم النفس في أوربا، إذ يلاحظ هيمنة علم النفس في "استقرار هذا الفكر وطبقته، وسعى إلى الكشف عن عقد الذات وملكاتها بغية تفتيق قواها بالكشف عنها والتعرف إليها من جهة وبغية التحكم في هذه القوى من جهة أخرى، في حين نشأ وهيمن التحليل النفسي في لحظة شيوع الانحلال وإضفاء القاتمة على القوى الإنسانية النبيلة."[62].
وبعد ذلك تم الانتقال إلى خطوة أخرى؛ للتعرف عما إذا كانت الدلالة التي عرفها علم النفس والتحليل النفسي في أوربا هي نفسها في الثقافة العربية، ثم هل خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث يعكس الفكر نفسه الذي نتج عنه في أوربا وعن العلاقات الإجتماعية نفسها؟ منتهيا "إلى أن علم النفس والتحليل النفسي بصيغته العربية، قد دخلا إلى الثقافة العربية بفعل الاحتكاك بأوربا الذي كان محكوما بشروط الواقع العربي – المصري خاصة – وبنضج الطبقة الوسطى في صيغتها الجديدة بعد ثورة 1919 وبحكم شيوع الفكر اللبرالي الذي تبنته الطليعة الثقافية لهذه الثورة، ويستتبع ذلك أن خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث – وضمنه النقد التأثري – قد كان مساوقا للفكر اللبرالي الذي تبنته الطبقة الوسطى، كما كان الإتجاه الرومانسي في الأدب تعبيرا أدبيا عنه.".[63]



= الدكتور عبد العزيز جسوس: أستاذ مناهج النقد الأدبي بكلية الآداب والعلوم الانسانية جامعة القاضي عياض بمراكش له عدة دراسات نقدية وفكرية، من بينها مؤلف إشكالية الخطاب العلمي في النقد الأدبي ومؤلف النقد الأدبي في الطور الشفوي... وغيرها
[1] - خطاب علم النفس في النقد الأدبي العبي الحديث: د عبد العزيز جسوس، م  والوراقة الوطنية بمراكش، ط1، 2006م. ص 14
[2] - نفسه، ص، 15 _17
[3]- نفسه، ص، 18 -19 . 
[4]- نفسه، ص، 20 .
[5]- نفسه، ص، 21 – 22 .
[6] - نفسه، ص، 24 .
[7] - نفسه، ص، 25 – 30 .
[8] - نفسه، ص، 31.
[9] نفسه، ص، 32 – 35 .
[10] -  نفسه، ص، 36 – 38 .
[11] -  نفسه، ص، 40 – 41 .
[12] -  نفسه، ص، 43 -  44 .
[13] - نفسه، ص، 45 – 47 .
[14] - نفسه، ص، 48 – 51.
[15] - نفسه، ص، 55 – 58.
[16] - نفسه، ص، 59 - 64 .
[17] - نفسه، ص، 65 – 66.
[18] - نفسه، ص، 67 – 70.
[19] - نفسه، ص، 71 – 72.
[20] - نفسه، ص، 73 – 76.
[21] - نفسه، ص، 77.
[22] - نفسه، ص، 78 -88  .
[23] - نفسه، ص، 89 – 90.
[24] - نفسه، ص، 90 – 91.
[25] - نفسه، ص، 97 – 100.
[26] - نفسه، ص، 100.
[27] - نفسه، ص، 100 – 103.
[28] - نفسه، ص، 103 – 105.
[29] - نفسه، ص، 106.
[30] - نفسه، ص، 107 – 109.
[31] - نفسه، ص، 110 – 111.
[32] - نفسه، ص، 111 – 116.
[33] - نفسه، ص، 116 – 117.
[34] - نفسه، ص، 118.
[35] - نفسه، ص، 181 – 123.
[36] - نفسه، ص، 124.
[37] - نفسه، ص، 125.
[38] - نفسه، ص، 126 – 132.
[39] - نفسه، ص، 132 – 135.
[40] - نفسه، ص، 135– 136.
[41] - نفسه، ص، 137.
[42] - نفسه، ص، 137 – 140.
[43] - نفسه، ص، 142.
[44] - نفسه، ص، 142 – 145.
[45] - نفسه، ص، 145 – 147.
[46] - نفسه، ص، 147 – 150.
[47] - نفسه، ص، 150- 153.
[48] - نفسه، ص، 157 – 159.
[49] - نفسه، ص، 159 – 160.
[50] - نفسه، ص، 161.
[51] - نفسه، ص، 162.
[52] - نفسه، ص، 162 – 164.
[53] - نفسه، ص، 164 – 172.
[54] - نفسه، ص، 172 – 177.
[55] - نفسه، ص، 177 – 181.
[56] - نفسه، ص، 185 - 186.
[57] - نفسه، ص، 186 – 187.
[58] - نفسه، ص، 188 – 192.
[59] - نفسه، ص، 192 – 198.
[60] - نفسه، ص، 198 – 201.
[61] - نفسه، ص، 201 – 203.
[62] - نفسه، ص، 206 – 209.
[63] - نفسه، ص، 209 – 212.