الأحد، 12 مايو 2013

قراءة في كتاب: خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث للدكتور عبد العزيز جسوس.


يضم كتاب (خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث)، للدكتور عبد العزيز جسوس – باستثناء المقدمة و الخلاصات – خمسة فصول أساس، تمحور أولها حول خطاب علم النفس في دراسات الباحثين العرب المحدثين، ويتفرع إلى خمسة محاور، كان أولها عبارة عن تمهيد، أشار من خلاله المؤلف إلى الخطوات الواجب اتباعها قصد الإلمام بهذا الخطاب في النقد الأدبي العربي الحديث.

وحتى يتحقق ذلك، قام المؤلف بتحديد خمسة باحثين محدثين ممن اهتموا بهذا الخطاب، هم : السيد قطب وعز الدين إسماعيل ومحمد خلف الله أحمد وأحمد كمال زكي  وعبد العزيز الدسوقي، وقد تم وضع خطاطة عامة تناولت خصوصية كل واحد منهما على حدة أثناء حديثه عن هذا الخطاب، تم الخروج بناء عليها بمجموعة من الاستنتاجات الأولية،  تشير في مجملها إلى أن هذه الخطاطة تجمع بين فئتين من الباحثين، أولاهما ناقدين متخصصين في هذا الخطاب هما عز الدين إسماعيل ومحمد خلف الله، وثانيهما مؤرخين للنقد الأدبي العربي الحديث، مع تفاوت علاقتهما بهذا الخطاب، ثم إن هذه الدراسات قد صدرت في فترات زمنية متباعدة تتراوح بين سنتي  1947 و1977 ثم إن التأريخ لخطاب علم النفس من قبل هؤلاء يتفاوت حسب الموقع الذي يحتله التأريخ ضمن دراساتهم ، ثم إن هذه الدراسات على الرغم من تاريخها لشيء واحد فإن اصطلاحاتها عليه تختلف، مما يكشف عن علاقة هذا الباحث أو ذاك بهذا الخطاب.[1]

أما المحور الُثاني من هذا الفصل، فيتعلق بمبررات خطاب علم النفس، حيت يلاحظ المؤلف أن أعمال هؤلاء الدارسين من باب تبريرها انفتاح النقد الأدبي العربي على خطاب علم النفس، تؤكد على ارتباط الأدب بالنفس، ثم إن الدراسة النفسية للأدب ليست وليدة العصر الحديث بل تؤول إلى اليونان وبخاصة أرسطو وإلى النقاد العرب القدامى، وفي هذا الإطار تم اعتبار خلف الله احمد رائدا في هذا المجال، وذلك بتخصيصه جزءا من الفصل الأول من دراسته لإسهامات النقاد العرب القدامى في الدراسة النفسية للأدب، ثم الفصل الرابع منها للمنزع النفسي في بحث أسرار البلاغة.[2]
وفي السياق ذاته، تمت الإشارة إلى السيد قطب الذي ميز بين طورين في تأريخه للنزعة النفسية لدراسة الأدب، أولهما: طور تدخل الملاحظة النفسية في فهم الأدب ونقده وهي قديمة  تمتد من صدر الإسلام إلى أن وصلت على يد عبد القاهر الجرجاني إلى قواعد ونظريات، وثانيهما: طور استخدام علم النفس لفهم الأدب ونقده وهو مستحدث ومستمد من الغرب.[3]
أما عز الدين إسماعيل فقد ميز بدوره بين طورين في مجال الدارسة النفسية للأدب، أولهما: طور رصد العلاقة بين النفس والأدب وهو قديم قدم وجود الأدب، وثانيهما: طور دراسة الأدب في ضوء معطيات علم النفس، وهو حديث ارتبط بالنهضة العلمية العربية بعد احتكاكه بالغرب وفي هذا السياق كذلك تم إيراد رأي أحمد كمال زكي الذي يرجع الإرهاصات الأولى للتحليل النفسي للقدم.
و بناء على ما تقدم، يسجل المؤلف مجموعة من الملاحظات التي تشير في مجملها إلى أنه على الرغم من تمييز سيد قطب وعز الدين إسماعيل بين طورين في مجال الدراسة النفسية، والتي تفيد أن الدراسة النفسية الحديثة للأدب لا تختلف عن نظيرتها القديمة في النوع وإنما في الضبط المنهجي وفي الاستقصاء في حين أن الدراسة النفسية للأدب في النقد الحديث، هو انتشار لمفاهيم علم النفس والتحليل النفسي ونظرياتهما ومناهجهما في دراسة الأدب.[4]
ثم إن محرك هؤلاء الباحثين هو إطفاء الشرعية على الدراسة النفسية للأدب في العصر الحديث بالبحث عن الجذور القديمة لهذه الدراسة، إلا أن المؤلف يقف موقفا آخر، هو أن التيارات الفكرية وضمنها النقد لا تنمو كحركة فكرية مفصولة عن شروطها الاجتماعية، ذاهبا في الوقت نفسه إلى أن ظهور علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث لا ينفصل على بروز الطبقة الوسطى بفكرها اللبرالي.
ومن مبررات خطاب علم النفس كذلك، تم عرض مجموعة من التحولات الثقافية الحديثة، من قبيل الإنفتاح على الغرب والنهضة العربية الحديثة، والبعثات الطلابية، وتأسيس الجامعة المصرية، مما يستشف منه تفاعل العالم العربي مع الغرب، لكن هذا التفاعل أيضا ليس هو السبب الوحيد في بروز الإتجاه النفسي في النقد الأدبي العربي الحديث، بل إن "ظهور الطبقة الوسطى التي تبنت الفكر اللبرالي و النزوع الذاتي في الأدب والنقد"، هو الذي كان له الدور الحاسم في بلورة تباشير النهضة العربية الحديثة، ومن ضمنها خطاب علم النفس.[5]
ويشير المؤلف كذلك إلى أن رواد هذا الخطاب في النقد الأدبي العربي الحديث قد آستعرضوا معالم النقد النفسي في أوربا ضمن دراساتهم، إلا أنهم لم يميزوا بين علم النفس والتحليل النفسي، ولا بين الإتجاهات النفسية التي كان لها أثر في النقاد النفسانيين العرب.[6]
وبالإنتقال إلى المحور الثالث الذي يتعلق بنشأة خطاب علم النفس، يعرض المؤلف للخلاف الحاصل بين الباحثين في نسبة الإنطلاقة الأولى لهذا الخطاب لهذا الناقد أو ذاك، والمتراوحة بين طه حسين بالنسبة لسيد قطب وعز الدين إسماعيل ومحمد خلف الله. وبين العقاد بالنسبة لأحمد كمال زكي. وبين عبد الرحمان شكري بالنسبة لعبد العزيز الدسوقي. إلا أن هذا النقاش الدائر حول أول من عقد الصلة بين علم النفس والأدب، ليست له قيمة في نظر المؤلف ولا يدل على عبقرية هذا الناقد أو ذاك، مؤكدا من جديد على "المرحلة اجتماعيا، ببروز الطبقة الوسطى وفكريا، بتبني الفكر اللبرالي وسياسيا ,بتبني شعارات الحرية والديمقراطية، وأدبيا بتبني الإتجاه الذاتي في الإنتاج الأدبي والممارسة النقدية ,وبالتالي فإن الدراسة النفسية مرتبطة بالتحولات الإجتماعية والفكرية والسياسية والأدبية التي عرفتها مصر والتي جددتها ثورة 1919"، ليخص في الأخير "إلى أن خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث قد نشأ في شروط فكرية وثقافية مرتبطة ببروز الطبقة الوسطى وأن الرواد الأوائل للدراسة النفسية للأدب كانوا يتأرجحون بين صورة النفس داخل الأدب وبين توظيف مفاهيم نفسية في دراسة الظواهر والشخصيات الأدبية"[7].
أما بخصوص المحور الرابع، فيتعلق بتاريخ خطاب علم النفس، ومن خلاله كذلك يطلعنا المؤلف على الإختلاف الحاصل بين الباحثين في شأن الحقبة الزمنية التي اهتم بها كل باحث على حدة في تأريخه.[8]
وبناء على ترسمة وضعها المؤلف، أكد أنه سيتوقف على غرارها عند النقاد المذكورين فيها  من أجل مناقشة الموقع الذي يمثله كل ناقد بالنسبة لهذا الباحث أو ذاك في تأريخه والتيار الذي يمثله، وبذلك يستشف المؤلف أن الباحثين يكاد يجمعون على أهمية طه حسين في تاريخ الاستفادة من علم النفس في دراسة الأدب. ولكن برجوع المؤلف إلى كتابات طه حسين عينها يجده لا يتبنى الدراسة النفسية للأدب بقدر ما يدعو إلى الإستفادة من مختلف العلوم في دراسة الأدب. وبعد استعراض مجموعة من النصوص التي تثبت موقف طه حسين من هذا الخطاب، يخلص المؤلف إلى أن طه حسين رغم موقفه المتذبذب والمتأرجح في قبول الإستفادة من هذا الخطاب في دراسة الأدب، فإنه يعتبر ضمن مرحلة الإرهاصات في تاريخ خطاب علم النفس.[9]
كما يستشف المؤلف كذلك أن هؤلاء الباحثين يجمعون على أهمية أقطاب مدرسة الديوان في بلورة هذا الخطاب، حيت يعد المازني أكثر أهمية في تصورهم وخصوصا في دراسته عن ابن الرومي في (حصاد الهشيم)، التي يفسر فيها شيوع الهجاء في شعره بالأزمة النفسية التي يعيشها واستفزاز معاصريه له، وفي دراسته عن بشار التي استنبت من خلالها قضية نفسية عنده وهي عقدة النقص والبحث عن التعويض وهي الفكرة التي بنا عليها (أدلر) - حسب المؤلف- تصوره عن الشخصية مما يعني أن المازني قد استفاد من أدلر في تحليل شخصية بشار، لكن المؤلف يستبعد ذلك لسببين، أحدهما عدم إشارة المازني له إطلاقا، والثاني شيوع تلك الفكرة عند القدامى.[10]
بالإضافة إلى المازني، يشير المؤلف أن لا أحد من هؤلاء الباحثين يماري في أهمية العقاد ضمن خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث، وما من دراسة  من دراساته عن الشخصيات الأدبية والدينية إلا وتستند إلى مفاهيم نفسية. وقد ميز المؤلف بين طورين في علاقة العقاد بخطاب علم النفس، الأولى: تمثلها دراسته عن ابن الرومي "ابن الرومي حياته من شعره" التي يبلغ ربط الأدب بالنفس ذروته عند العقاد، والطور الثاني: تمثله دراسته عن أبي نواس التي تبنى فيها بعض مفاهيم التحليل النفسي والتي أرجأ المؤلف الحديث عنها إلى فصل قادم.[11]
بالإضافة إلى أقطاب مدرسة الديوان، يؤكد المؤلف على أهمية أمين الخولي في تاريخ خطب علم النفس في النقد الأدبي العربي، مؤجلا الحديث عنه إلى الفصل الثاني، أما السيد قطب فعلى الرغم من كون عبد العزيز الدسوقي يعتبره  من دعائم النقد النفسي العربي الحديث فإن المؤلف يذهب مذهب باقي الباحثين الآخرين من أن سيد قطب يتردد في الإقبال على توظيف هذا العلم في النقد الأدبي وبإفراد مجموعة من الشواهد خاصة من كتابيه (كتب وشخصيات) و(النقد الأدبي أصوله ومناهجه)، يتضح أنه "ممن يقترحون الاستفادة من علم النفس في النقد الأدبي دون تبنيه كاختيار وحيد"[12].
وهكذا، يمضي المؤلف ليتوقف عند الأستاذ محمد خلف الله، فيعتبره "مرحلة في تاريخ هذا الخطاب" مستعرضا في هذا النطاق سيرته المتعلقة بالدراسة النفسية للأدب المستقاة من تمهيد كتابه (من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده)، ومرجئا الحديث عنه بتفصيل إلى الفصل الثاني, ليشير بإيجاز في نهاية هذا المحور إلى باحثين آخرين كانت لهم أهمية كبيرة في تاريخ هذا الخطاب وهم محمد النويهي وحامد عبد القادر مع عبد الحميد حسين اللذين ظهرا في أواخر الأربعينات، وتلاهما في الفترة نفسها الباحث المتخصص الدكتور مصطفى سويف، ثم الدكتور عز الدين إسماعيل آخر حلقات هذا الخطاب في الفترة المحددة لهذه الدراسة.[13]
أما بالنسبة للمحور الخامس والأخير من هذا الفصل، فيتعلق بمراحل علم النفس وتياراته، ففيما يخص المراحل يشير المؤلف أنه لا أحد من الباحثين السابقين قد اهتم بتحديد المراحل التي قطعها خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث، وبعد متابعته لأعمال رواد هذا الخطاب - على حد قوله – استطاع التمييز بين ثلاث مراحل أساس هي: مرحلة الإرهاصات الممتدة من بداية العقد الثاني إلى حدود 1930 ثم مرحلة التأسيس وتمتد من 1930 إلى حوالي 1950 ثم مرحلة النضج وتمتد من حوالي 1950 إلى 1963( السنة المحددة لهذا العمل).
أما فيما يخص التيارات، فإن المؤلف يشير كذلك إلى أنه لا أحد من الباحثين اهتم بتحديدها. لكن بمتابعة المؤلف لأعمال الرواد من هذا الخطاب يميز بين ثلاث تيارات أساسية هي: تيار النقد النفسي, وتيار التحليل النفسي للأدب، وتيار علم النفس الأدبي.[14]
هذا فيما يتعلق بالفصل الأول, أما الفصل الثاني، فيتمحور حول تيار النقد النفسي الذي يتفرع إلى ثلاث محاور أساس، كان أولها عبارة عن تمهيد أشار من خلاله، إلى أن قانون الهيمنة هو الذي سوغ البداية  بالحديث عن هذا التيار المتميز بأهمية إصدار الحكم في النقد الأدبي, كما يتضح ذلك عند أمين الخولي وعند الأستاذ محمد خلف الله وعند الأستاذ حامد عبد القادر وبوضع معايير للنقد الأدبي كما هو الأمر عند عبد الحميد حسن في دراسته ( الأصول النفسية للأدب)، كما تميز أيضا بتبني علم النفس الوعي. الذي تتجلى بعض مفاهيمه في دراسات رواد هذا الإتجاه.[15]
أما فيما يخص المحور الثاني، فيتعلق بالدعوة إلى شرعية الدراسة النفسية للأدب، والتي تتضح بشكل جلي عند كل من أمين الخولي ومحمد خلف الله . فبالنسبة لأمين الخولي نجد المؤلف يشير إلى أن عمله في مجال الدراسة الأدبية يتميز بدعوتين أساسيتين: أولاهما هي الدعوة إلى الإقليمية في الأدب، وثانيهما هي الدعوة إلى الإستفادة من علم النفس لتجديد دراسة الأدب والبلاغة والتفسير التي تبلورت على - على حد تعبير المؤلف - في دراساته التي من أبرزها كتابه (مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب) والتي تتجسد من خلالها "دعوة الخولي إلى إضفاء الشرعية على الدراسة النفسية للأدب سواء بتأكيد أهمية الآداب في حياة الأمم أم بدور الأدب في النهضة الإجتماعية أم بأهمية علم النفس في ثقافة المتأدبين منتجين ونقاد لتأسيس الجديد والقضاء على المنحط "، وهكذا يلاحظ المؤلف أن الخولي يقترح ( المنهج الأدبي )، الذي يقوم على منهجين، خارجي ثم داخلي، وضمن المنهج الداخلي يقترح أولا وصل الأديب بأدبه ثم النظرة إلى أدب الأديب جملة.[16]
وقد أشار كذالك المؤلف من ضمن ما أشار إليه أن الخولي يقترح كذلك تطبيق هذا المنهج في تفسير القرآن وذلك بعد تشذيبه شيئا ما.[17]
أما بالنسبة لمحمد خلف الله, فيعرض المؤلف في بداية حديثه عنه على نقطة آلتقائه مع أمين الخولي والمتجلية في مسألتين جوهريتين هما: دراسة القرآن باعتباره أثرا أدبيا والدعوة إلى الدراسة النفسية للأدب الأكثر وضوحا وتأثيرا في الأجيال اللاحقة وذلك بالبحث عن جذور الدراسة النفسية للأدب في التراث النقدي العربي القديم، ثم ربط الدراسة النفسية للأدب بالتراث النقدي الأوربي وبعمدة الأدب والنقد العربيين (د طه حسين)، ثم تأكيده على الطابع النفسي للأدب وتأكيده على ضرورة توفر الناقد على ثقافة موسوعية تمكنه من استجلاء غوص الظاهرة الأدبية من ضمنها ثقافة الناقد العلمية القائمة على علم النفس.[18]
ويلاحظ المؤلف أن خلف الله لم يتبنى اتجاها نفسيا معينا بل يدعو إلى (الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده)، لكنه يميل إلى علم النفس الوعي الذي يطعمه بمعطيات من التحليل النفسي وعلم النفس التجريبي، وعلى الرغم من دفاعه عن الإتجاه النفسي في دراسة الأدب، فإنه لا يلغي الإستفادة من العلوم الإنسانية الأخرى في دراسة الأدب.[19]
هذا، ويشير المؤلف إلى أن إحساس خلف الله بغياب النماذج التطبيقية عنده، دفعه إلى إصدار دراسة في هذا الجانب تحت عنوان (دراسات في الأدب الإسلامي)، تناول من خلالها عدة شخصيات وفق منهج واحد نعته بتحليل الموضوع تحليلا تاريخيا نفسيا، هذا التحليل الذي يبدو باهتا في بعضها، وقد توقف المؤلف عند نموذجين من هذه الدراسة هما الغزالي والنزوع العقلي، كما يتجلى في كتاب (المنقذ من الضلال )، وذلك في ضوء نظرية التحليل النفسي (الأنا، الأنا الأعلى، الهو ) التي أوقعته في تحليل الشخصية بدل تحليل النصوص، ثم عبد القاهر الجرجاني وسيكولوجية التأثير الأدبي من خلال كتاب (أسرار البلاغة ).[20]
أما فيما يخص المحور الثالث، فيتعلق بوضع قواعد نفسية لنقد الأدب. حيت نجد المؤلف يستعرض رأي كل من عبد الحميد حسن الذي يهتم بالأدب من زاوية المرسل وحامد عبد القادر الذي يركز على زاوية المتلقي[21].
فأما عبد الحميد حسن، ففي كتابه "الأصول الفنية للأدب" بعدما دافع عن شرعية الدراسة النفسية للأدب، بالاستناد إلى وجدانية الأدب والفنون. راح إلى تحليل الأصول الفنية للأدب في ضوء معطيات علم النفس، التي من ضمنها العاطفة، حيت قام بتعريفها وحدد أنواعها ودورها في إنتاج الأدب وتلقيه، ثم الخيال الذي حدد مفهومه ووظيفته في الإنتاج الفني للأدب ثم أنواعه وأبعاده في النقد والبلاغة والأدب عند العرب، ثم الحقائق والأفكار، فميز بين مصدرين للحقائق بالإعتماد على فرويد، العقل الواعي والعقل الباطن، كما تعرض للأسلوب، الذي يمثل في نظره صورة الأدب المادية، فميز بين ثلاثة أنواع من الأساليب هي: الأسلوب العلمي والأسلوب الأدبي والأسلوب الشعري. وهكذا يخلص المؤلف إلى أن عبد الحميد حسن قد شغل بوضع قواعد نفسية لنقد الأدب، ثم إن مرجعيته النفسية تعود إلى علم نفس الوعي ثم ارتباطه بالمناخ الثقافي والسياسي الذي طبع مرحلته كالتأكيد على حرية الأديب في التعبير والوظيفة الأخلاقية للأدب ثم التركيز على زاوية المرسل.[22]
أما فيما يخص حامد عبد القادر، فيشير المؤلف إلى الطابع التعليمي الذي يطغى على كتابة (دراسات في علم النفس الأدبي)، الذي يسعى من خلاله إلى تأسيس (علم النفس الأدبي)، فيؤطره ضمن البحوث النفسية التي تهتم بدراسة الحياة العقلية للإنسان مما يقود إلى التوقف عند العمليات العقلية المؤثرة في الإنتاج والتقدير الأدبيين. كالإدراك الحسي والتصور والخيال وتداعي المعاني والحكم والتعليل والحياة الوجدانية التي لا تلغي وجوب إلمام الناقد بعلم اللغة وعلم النفس.[23]
بالإضافة إلى ذلك، يعرج المؤلف على مقترح حامد عبد القادر المنهجي، لتفادي الشطط في النقد المعتمد على العلم والذي يقوم على تحديد صفات الناقد الأدبي أو الفني من جهة، وعلى الأحداث العقلية التي تحدث عند تقدير الأدب من جهة ثانية، ليتم في النهاية الخروج بأن حامد عبد القادر ينتمي إلى تيار النقد النفسي  وذلك بدفاعه عن أهمية علم النفس في فهم عمليتي الإنتاج والنقد الأدبيين وبلورة تصور عن عمليتي الإنتاج والنقد الأدبيين.[24]
أما فيما يخص الفصل الثالث، فيتمحور حول تيار التحليل النفسي للأدب. ويضم أربعة محاور أساس، أولها عبارة عن تمهيد، أشار من خلاله المؤلف إلى المكانة التي يحتلها تيار التحليل النفسي للأدب مقارنة بباقي التيارات الأخرى وإلى الفترة التي برز فيها، المشحونة -على حد تقدير المؤلف - بنوع من الصراع، ليشير بعد ذلك إلى أهم رواده كالعقاد والنويهي وعز الدين إسماعيل، وإلى الإرهاصات الأولى لهذا الإتجاه التي بدأت مع محمد خلف الله وستعرف تطورها مع العقاد في دراسته الأولى عن (ابن الرومي) ودراسته المتكاملة عن (أبي نواس) ودراستيه المقتضبتين عن (جميل بتينة) و(عمر ابن أبي ربيعة) المتوقف عندهما في هذا التمهيد.[25]
أما ثاني محاور هذا الفصل، فيتعلق بالموقف من التحليل النفسي؛ حيت استعرض المؤلف أهم أراء رواد هذا التيار اتجاهه؛ المتراوحة بين إقرارهم بأهميته في كشف وتفسير الشخصيات والظواهر الأدبية، وبين إبداء تحفظاتهم من الإقتصار عليه في الممارسة النقدية. واتقادهم لبعض مفاهيمه أحيانا؛ هذا ما يستشفه المؤلف عند كل من العقاد والنويهي وعز الدين إسماعيل، حيت أن العقاد رغم إقراره بضرورة التحليل النفسي في الممارسة النقدية، فإنه لا يلغي من حساباته أدوات نقدية أخرى كتوفيقه بين (البواعث النفسية) و(العوامل الطبقية) في تحليله لجميل بتينة وعمر ابن أبي ربيعة[26].
وهكذا يعرض المؤلف لجملة من الانتقادات، وجهها العقاد إلى التحليل النفسي, كمؤاخذته على فرويد عدم احترام قواعد العلم التي تقضي التحري في إصدار الأحكام العامة، وعدم قبوله لتفسير فرويد للشذوذ الجنسي باختلاف في التوازن بين خواص الذكورة والأنوثة في الشخصية كما اتقد تفسير فرويد لغيرة الطفل من الأب تفسيرا جنسيا. وانطلاقا من عقدة أوديب, لكن هذه الإنتقادات تبقى في نظر المؤلف متأرجحة بين القبول والرفض لقيامها على مناقشة جزئيات التحليل النفسي واقتناعها بلبه.[27]
ويسجل المؤلف كذلك رد النويهي على محمد مندور في انتقاده لخلف الله، في كتابه (في الميزان الجديد)، وقد كان رد النويهي قائما بشكل عام على تأكيده على أهمية العلم في الدراسة الأدب، ومن ضمنه التحليل النفسي الذي اضطر إليه اضطرارا في دراسته حول أبي نواس الذي تميزت نفسيته بالتعقيد والشذوذ.[28]
كل ما تم ذكره حول العقاد والنويهي يصدق كذلك في حق عز الدين إسماعيل, الذي أقر بدوره على أهمية التحليل النفسي في دراسة الأدب, مع إدراجه له ضمن علم النفس الذي أصبح علم القرن العشرين كما أنه يدعو إلى استغلال كل ألوان المعرفة الأخرى لتأويل العمل الأدبي تأويلا صحيحا ,كما يبدي مجموعة من التحفظات خصوصا في مسألة ربط الأدب بالدوافع الجنسية.[29]
وخلاصة هذا المحور، أن هؤلاء الباحثين يشتركون في أن الأدب تعبير عن الذات، مما سوغ لهم توظيف التحليل النفسي في ممارساتهم النقدية كما أن توظيفهم لهذا المنهج محاط بعدة تحفظات لا تقوم على أسس علمية وإنما ترتبط بمناهج أخرى. كما أنهم بالإضافة إلى توظيفهم للتحليل النفسي لا يلغون الأخذ بالتوجهات النقدية الأخرى.[30]
بعد ذلك يأتي المحور الثالث، المتعلق بتحليل شخصيات الأدباء. حيت تمت الإشارة إلى أن اختيار بعض الشخصيات دون أخرى لم يأت اعتباطا، بل هناك مجموعة من العوامل هي التي تحكمت في ذلك, ومن هذا المنطلق ذهب المؤلف إلى أنه سيركز على أربع دراسات تحليلية ثلاثة منها للنويهي، عن ابن الرومي وبشار وأبي نواس. والرابعة للعقاد حول أبي نواس.[31]
فأما بالنسبة لدراسة النويهي عن ابن الرومي, فإن المؤلف يعطينا موجزا عنها، والتي حدد من خلالها النويهي في البداية ملامح الحركة النقدية في النصف الأول من القرن العشرين في مصر، وخصص البابين الأولين للحديث عن ثقافة الناقد الأدبي بتلخيصها في مجموعتين، الأولى ثقافة أدبية واسعة تكتسب عن طريق إلمام الناقد بأدب ولغة أمته والإطلاع على الآداب الأوربية، والثانية ثقافة علمية كعلم النفس البيولوجية (...) وقد بسط في ذلك مجموعة من الأدلة، ليقوم في ضوء ذلك بدراسته التطبيقية حول ابن الرومي والتي انطلق فيها من مناقشة كل ما قدمه المازني والعقاد حول (ابن الرومي)، وخصوصا في قضيتين أساسيتين هما طبيعة عبقرية ابن الرومي وطبيعة مميزات شعره، كما أفاض في تحديد ثغرات دراسة العقاد عن ابن الرومي التي تحدى فيها حقائق العلم لإثبات عبقرية يونانية ابن الرومي، بخلاف ذلك سيتجشم النويهي عناء تحليل ابن الرومي بمسايرة "مقتضيات العلم التي تقتضي تحديد العناصر الفاعلة في تكوين وطبعها بطابع مميز" والتي قسمها إلى عناصر خارجية (البيئة) وعناصر داخلية (التكوين الجسمي للشخصية)، التي تدخل ضمنها القوى الباطنية غير النوعية. وعلى غرار هذه العناصر حدد النويهي ثلاثة أصناف من الشخصيات الأولى تطغى عليها العناصر الخارجية، كبشار ابن برد، والثانية تطغى عليها العناصر الداخلية كابن الرومي، والثالثة تتعادل فيها العناصر، كأبي نواس.[32]
وهكذا سيستمر المؤلف في استعراض طبيعة شخصية ابن الرومي في تصور النويهي، الذي انطلق من العناصر الداخلية باعتبارها "الفاعل الأساسي في طبع شخصية ابن الرومي بطابع متميز (غاضا الطرف عن الجانب الخارجي)، وقد وزع هذه العناصر بدورها إلى عناصر بيولوجية معتمدا في ذلك - على حد تعبير المؤلف – على أشعاره وأخباره [ كان نحيلا، دائم الإعتلال، شرها، شاحب الوجه، مختل الأعصاب، قصير اللحية مضطرب الجهاز الجنسي] ثم عناصر نفسية [ كان قليل الجلد، ضعيف الإحتمال، كثير الضجر، شديد التوهم والخو،, مستغرق التفكير، شديد التطير ...].[33]
وقد تولد عن وضعية ابن الرومي البيولوجية والنفسية صراعان: صراع بين نتهمه نحو الطعام وإدراكه لضعف معدته واضطراب هضمه وصراع بين طمعه في المال ومخاوفه وتطيره مما عذب نفس ابن الرومي وزاد من اضطرابه, واتصافه بالخلل العقلي مما جعل شخصيته تتصف بالإنكماش والإنطواء على الذات.[34]
وفي ضوء ذلك ينتقل النويهي لدراسة شعر ابن الرومي بربطه بتاريخ الشعر العربي القديم مركزا على (بروز الشخصية في الشعر) ومستخلصا لمظاهر التجديد في شعره التي تكمن في التحليل النفساني لشخصيته ولتجاربه ثم الهجاء وهو تحليل لشخصية غيره، وفي هذا المضمار يشير المؤلف إلى التحليل الذي قدمه النويهي لقصيدة دع اللوم المعبرة عن نفسية إنسانية معذبة حائرة مقتصرا على الإشارة العامة إلى تألق ابن الرومي في الهجاء منتهيا إلى عربية شعر ابن الرومي مهما كان أصله الجنسي.[35]
أما عن دراسة النويهي لبشار والتي ركز فيها على العنصر الخارجي (البيئي)، فقد تناوله من جانبين, الأول: ظلام (أعمى، دميم، مشاكس، فاجر...) والثاني: نور (بار، كريم، صادق، صفوح...)، منتهيا بشكل عام إلى أن أثر البيئة أقوى من العوامل الفطرية  في تكوين شخصية بشار، و"لو عاش بشار في بيئة مخالفة لظلت ثلاث عوامل طبيعية فيه (عماه، دماثته، حدته الشعورية والجنسية) ولو عاش في بيئة مخالفة لخفت نواحي الشر فيه وقويت نواحي الخير".[36]
ويبقى تحليل النويهي لشخصية بشار لأجل التعرف على شعره الذي سيطرت فيها القصيدة الغزلية على معظم شعره؛ (أكثر من 60 بالمائة)، والتي تم تفسير شيوعها عنده بكونها الملجأ إلى التنفيس عن مكبوتاته النفسية[37].
أما بخصوص دراسة النويهي لأبي نواس الذي تتوازى عنده المعادلة (بين تأثير العناصر الداخلية والخارجية)، مما أضفى على شخصيته طابع التعقيد، حيت كان محكوما على حد تعبير المؤلف بعقدة أوديب، لكن زواج أمه وعدم الإهتمام به أدى به إلى وعكة نفسية نتج عنها نفوره من النساء إلى الغلمان والبحث عن التعويض الذي وجد ملاذا له في الخمر، وهذا ما انعكس على شعره "فاشتهر بشاعر الخمرة  والغزل بالمذكر والإباحة"، ويعتبر ذلك تعبير عن حاجة عميقة ملحة وعن اضطرار نفساني غلاب كان فيه جادا تمام الجدية، مما دفعه إلى الدعوة إلى تجديد الشعر ليتناسب والتعبير المباشر عن أحاسيس الذات وأزماتها بتجاوز القوالب الجاهزة، وللمؤلف في ذلك التحليل وجهة نظر، يمكن تلخيصها في أن النويهي قد تناول شخصية أبي نواس بمعزل عن شعره، كما أنه لم يحسن تطبيق عقدة أوديب.[38]
وفي النطاق نفسه، وحول الشخصية ذاتها تأتي دراسة العقاد، الذي حلل شخصية أبي نواس، مستلهما  هذه المرة لعقدة النرجسية التي يعتبرها "آفة نفسية تولد مع صاحبها في رأي بعض النفسانيين وتنشأ مع التربية وعوارض المعيشة الإجتماعية في نظر الآخرين." مخالفا بذلك فرويد، وفي هذا السياق يستعرض المؤلف أهم شعاب النرجسية كما أوردها العقاد ليعتبر نرجسية أبي نواس آفة نفسية تتكون من عناصر ولد ببعضها واكتسب عناصر أخرى من البيت الذي تربى فيه والعصر الذي عاشهّ، وعلى أساس تلك الشعاب - على حد تعبير المؤلف - فسر العقاد سلوك أبي نواس الشخصي والأدبي وبالتالي فما لحظ عن النويهي يصدق عن العقاد.[39]
وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف قد توقف بنظرته الدقيقة على المنطلقات المتفقة عند الناقدين في تناولهما لشخصية أبي نواس، والنتائج المتباينة مما استوجب عليه التساؤل حول مكمن الخلل، هل في التحليل النفسي؟ (العلم) أم في المحللين؟ (العالم) أم في الموضوع؟ وكل هذا يؤكد أن التحليل النفسي "لم يستطع تأسيس معرفة علمية بالظاهرة المدروسة".[40]
أما بالنسبة للمحور الرابع والأخير من هذا الفصل فيتعلق بتحليل النصوص الأدبية، حيت يذهب المؤلف إلى أن التعامل مع هذه النصوص يتم إما باعتبارها وثائق تؤكد التحليل النفسي أو الكشف من خلالها عن التجليات النفسية للشخصية المحللة، وبهذا المنطق تم عرض تجربة كل من النويهي وعز الدين إسماعيل في هذا المجال، حيت أن النويهي لم يحدد منهجيته في التحليل، إذ باشر تقديم نصوص لبشار قسمها إلى مجموعتين: الأولى وظفت لتأكيد سمة نفسية في الشخصية والثانية, غزلية تمثل شعره التجديدي.[41]
وبتتبع المؤلف لتحليل النويهي لهذه النصوص استطاع الكشف عن منهجيته التي تقوم على تقديم النص، ثم شرح الأبيات ثم تحديد معناها الإجمالي، ثم التعليق عليه, الذي يركز فيه إما على أهمية الدراسة النفسية للفهم المزدوج للشخصية والشعر، أو على القيمة الفنية والأخلاقية للنص أو على مسألة نقدية، وعلى هذا الأساس تم استخلاص مقولات من قبيل (الفهم والتحليل والحكم) باعتبارها المركز في تحليل النويهي.[42]
وقد تأكد المؤلف أن الطريقة التي قصدها النويهي في  تحليله السابق، هي نفسها المتبعة في تحليل بعض المقطوعات والمطولات عند ابن الرومي الشعرية، مركزا على نموذجين تحليليين هما قصيدة (دع اللوم)، التي تشكل نموذج القصيدة التي يستبطن فيها ابن الرومي ذاته، والثانية تقوم على ما أسماه بالإستدلال العكسي.[43]
هذا عن تجربة النويهي أما عز الدين إسماعيل فيتميز بالإنفتاح بتحليله على مجال الرواية والمسرحية، و على الآداب الأوربي والعربي الحديث، و على هذا الأساس انطلق المؤلف بعرض تحليل عز الدين إسماعيل للنصوص الشعرية،  حيت اكتشف تركيز المحلل على بعض عناصر القصيدة دون أخرى ك(الموسيقى والصورة) وفي أبيات مفردة في غالب الأحيان ماعدا قصيدة حديثة لعبده بدوي وعموما فإن معظم تفسيرات عز الدين إسماعيل لهذه الأبيات، يرجعها إلى ألاشعور الكامن وراء المبدع.[44]
أما عن تحليله للنصوص المسرحية، فيشير المؤلف إلى تحليله لمسرحيتين أوربيتين هما: (هاملت) لشكسبير، و(أيام بلانهاية)ليوجيل أونيل، ومسرحية عربية (سر شهرزاد) لبكثير، ومنهجيته في ذلك هي تلخيص أحداث المسرحية، ثم عرض مختلف التفسيرات حول القضية المحورية، مع الإهتمام بالموضوعات المركزية في المسرحيات ويرجعها إلى العقدة الأساسية وهي في الغالب(عقدة أوديب)، ولا يربط النص بالمؤلف بقدر ما يربطه بالبطل.[45]
أما تناوله للنصوص الروائية، فقد خصص له الباب الرابع من دراسته وركز فيه على رواية (الإخوان كرامازوف) لدستوفسكي، و(السراب) لنجيب محفوظ، وخطواته المنهجية في ذلك كما يقدمها المؤلف باعتبارها الأساس لديه؛ هي تلخيص أحداث الرواية ثم تفسير هذه الأزمة في ضوء التحليل النفسي. وبذلك يكون عز الدين إسماعيل قد أذاب ب"طريقته هذه، الفوارق الأدبية حيث تعامل مع الرواية والمسرحية بمنطق واحد.[46]
وهكذا يلاحظ المؤلف بشكل عام، أن النماذج المحللة تركز على مضمون النص دون الجوانب الفنية، كما تم تذويب الفوارق بين الأنواع الأدبية، وتنتقي عناصر من النص المحلل مما يسقطها في التعميم كما تجتث الشخصية المحللة من واقعها الإجتماعي والثقافي وتختزلها في حالة نفسية تبرر بها مضامين الأعمال وفي ختام هذا الفصل يسجل المؤلف مجموعة من الملاحظات يضيفها إلى ما تقدمها.[47]
أما فيما يخص الفصل الرابع، فيتمحور حول تيار علم النفس الأدبي (مصطفى سويف نموذجا). بحيث يتفرغ إلى ثلاثة محاور أساس. أولها كالعادة عبارة عن تمهيد، تم فيه التعريف بعلم النفس الأدبي، وبمميزاته عن باقي التيارات الأخرى وعن الإرهاصات الأولى لظهوره.[48]
وبعد ذلك، يأتي المحور الثاني المتعلق بتصور سويف عن عملية إبداع الشعر، حيث استعرض المؤلف في البداية لمنهج سويف الموسوم "بالمنهج التجريبي التكاملي"، الذي يستلهم فيه - حسب وجهة نظر المؤلف – النظرية الجشطلتية في تحديده ثلاث لخطوات: الأولى، هي تكوين فكرة إجمالية عن الكل. الثانية، هي تحقيقها بالتجربة. والثالثة، إثبات العرض ليصبح نظرية، وهذا المنهج ينسجم – حسب المؤلف- والدراسة التي قدمها سويف والقائمة على التجربة الأدبية المعتمدة على (الإستخبار والإستبار وتحليل المسودات) لمعالجة قضية دقيقة في الظاهرة الأدبية، هي كيف يبدع الشاعر القصيدة؟[49]
هذا ويبقى مرد اختيار سويف للشعر دون بقية الأنواع الأدبية الأخرى، لا لشيء إلا لتحديد ميدان البحث، ثم شيوعه في الثقافة العربية مقارنة بباقي الأنواع الأخرى، ومن تم ينطلق "في دراسة كيفية إبداع الشاعر للقصيدة من مسلمة عامة حول السلوك البشري باعتبار الفن وضمنه الشعر ظاهرة سلوكية".[50]
وما دام الشعر يندرج ضمن مجال العبقرية، فإن هذا يلزم سويف التوقف عندها لتحديد كيفية نشوئها؛ الذي يتم عن طريق الصراع والتصدع الذي يواجه الشخصية.[51]
وهكذا راح سويف يتساءل عما يميز الشاعر عن بقية العباقرة ، سالكا في ذلك إبداء تصوره عن عملية الإدراك؛ التي تتم بطريقة منظمة معتمدة في ذلك التصنيف، الذي يعتبر حقيقة سيكولوجية يؤطر إدراك الشخص في (إطار) محدد ويضفي على الأشياء المدركة دلالة معينة، وهكذا تم تحديد سمات الإطار الذي يبقى هو السبب النوعي لعبقرية الشاعر.[52]
وهكذا يقدم سويف على إجراء تحقيق تجريبي؛ لإختبار فراضية (الإطار لدى الشاعر), معتمدا في ذلك مجموعة من النصوص لشعراء مختلفين ونصوص نقدية لنقاد متباينين, حيت ينتهي إلى أن الأدبي يكتسب الإطار عن طريق الإطلاع, ثم لابد أن تكون هذه العملية منظمة. وعن هاتين الخالصتين يرتب مجموعة من الخلاصات الصغرى الأخرى، تفضي به إلى نتيجتين, الأولى: هي أن الشاعر شخص يحمل إطارا شعريا أقوى من أطر التعبير الأخرى, والثانية: هي أن مهمة الإطار كعامل نوعي في عبقرية الشاعر لا تتضح إلا بأن نضع هذا الإطار في بناء شخصية تعاني توثرا دائما من ضغط الحاجة إلى نحن، وهكذا يتضح أن العبقرية هي الشخص الذي يحس باختلال في (النحن) بسبب المفارقة التي يحسها بين المجال الداخلي والخارجي، فيسعى إلى خلق انسجام بينهما.[53]
أما المحور الثالث، فيتعلق بمناقشة هذا التصور على مستويي المنهج والنتائج. أما فيما يخص المنهج, فمن أبرز ملاحظات المؤلف حوله نسجل مساواة سويف بين العلوم التجريبية والعلوم الإنسانية من جهة الموضوع، نقل المنهج التجريبي إلى دراسة الظواهر الإنسانية أفقده بعض خصوصياته، ثم تجزيء القضية المدروسة، اعتماده في التحقيق على دراسات أوربية واعتبر شهادات الشعراء العرب وثائق مؤكدة، ثم فصل القضية المدروسة عن شروطها التاريخية والإجتماعية ثم تعميمه لنتائج الدراسة على كافة الشعراء باختلاف أزمنتهم وأمكنتهم.[54]
أما فيما يخص النتائج، فمن أبرز ملاحظات المؤلف حوله أنه قدم تصورات وضعية على ظاهرتي الإلهام والعبقرية اللتين كانتا تفسران تفسيرات غيبية، ثم تجزيئه للظاهرة الأدبية إلى جزئيات والإقتصار على دراستها، ُثم الحفر في الأسس النفسية للإبداع الفني قد أدى به إلى إعطاء الأولوية لتفسير الظواهر الأدبية إما تفسيرات نفسية أو ثقافية.[55]
وأما الفصل الخامس والأخير، فيتمحور حول خطاب علم النفس بين النزوع العلمي والمسوغات الفكرية والإجتماعية. ويتضمن ثلاثة محاور أساسية أولها عبارة عن تمهيد، استعرض من خلاله المؤلف أهم ملاحظاته حول تتبعه لتيارات خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث، التي تتشابه في منطلقاتها أي السعي إلى إكساب النقد الأدبي الطابع العلمي، وفي وسائلها (علم نفس الوعي, التحليل النفسي، علم النفس السلوك) لكنها تختلف في أهدافها، ومن الملاحظ كذلك حول هذه التيارات، أنها تهتم بزاوية واحدة من زوايا الظاهرة الأدبية وهي (الأدب في علاقته بالمرسل)، كما أن خطاباتهم النقدية  كانت تطغى عليها الإنتقائية والتعميمية والإسقاط والتأملات المفتقرة إلى أسس علمية في تصوراتها ومناهجها.[56]
وهكذا يكون المحور الثاني قد خصص إلى النزوع العلمي لخطاب علم النفس، والذي انطلق فيه المؤلف من استثناء تيار النقد النفسي وتيار علم النفس الأدبي من المناقشة مبقيا لتيار التحليل النفسي للأدب في الواجهة نظرا للنقاش الدائر سواء حول مفاهيمه أو علميته أو مصداقية نتائجه.[57]
فبالنسبة لعلمية التحليل النفسي، فقد قدم المؤلف موقف كل من طه حسين وحسين مروة، إذ ميز الأول بين علم النفس والتحليل النفسي لأن علم النفس في نظره يرقى إلى العلمية بينما التحليل النفسي بقي دون ذلك، منتقدا في الوقت نفسه نظريته المحورية وهي (عقدة أوديب)، ومشككا في إفادة النقاد والناس منه، أما حسين مروة فلم يعترض للتحليل النفسي لعلميته بل لأنه يعكس هيمنة طبقة اجتماعية معينة أفرزتها الحضارة الأوربية مركزا اعتراضه على مفهوم (ألاشعور) ودوره في التحكم في سلوك الإنسان  الذي أعطه دلالة مغايرة تنسجم مع توجيهه الفكري والنقدي الأدبي المؤسس على (الواقعية الجديدة)، وعلى هذا الأساس سينتقد حسين مروة الدراسات النقدية المنبنية على ألاشعور الفرويدية عند كل من العقاد والنويهي.[58]
أما بالنسبة لعلمية النقد الأدبي، فقد تم عرض رأي طه حسين في دعوته إلى إفادة النقد الأدبي من مختلف العلوم مع ضرورة الإحتياط من السقوط في التقليد الأعمى، وهو أمر أثار حافظة طه حسين عندما "لاحظ مبالغة العقاد في الحديث عن الغدد وأنواعها في دراسته عن أبي نواس وهو لم ير لا غدده ولا جثته". كما تم عرض موقف محمد مندور الذي "اعترض على نقل مناهج العلوم وخلاصاتها إلى النقد الأدبي وإن لم يعترض على أن يتوفر الناقد على معرفة علمية"، وبتقييم المؤلف لموقف محمد مندور ينتهي إلى "أن النقد الأدبي سواء كان موضوعه الأدب أم الأدبية وإن سعى إلى وضع قواعد علمية يبقى محفوفا بالتصورات الإيديولوجية باعتبار الطبيعة الإيديولوجية لموضوعه وتبقى محاولات وضع قواعد لدراسة الأدب باختلاف الزمان والمكان محفوفة بالمزالق بدليل أن المحاولات المعاصرة مازالت تلغي نفسها بتطور البحث والدراسة وتؤوب إلى اعتبار الأدب "شكلا إيديولوجيا" لا يمكن دراسته والإستفادة منه إلا وفق شروط الزمان والمكان الخاصة، خصوصا وأن الإنتاج الأدبي ليس غاية في ذاته وإنما يهدف إلى تكريس تصورات أو نفسيات معينة تكون منغرسة في بناء إيديولوجي معين.".[59]
أما بالنسبة لمصداقية نتائج التحليل النفسي، فقد ركز المؤلف على موقف كل من طه حسين وحسين مروة في مناقشتهما لنتائج التحليلات النفسية التي قدمت حول شخصية أبي نواس بحيث ينعت "تفسير النويهي لشخصية أبي نواس بعقدة أوديب - المشكوك فيها تاريخيا – بالإسراف وينعت تفسير العقاد القائم على عقدة النرجسية بأنه لا يحمل جديدا في ذاته إذ كان القدماء يسمونه الإعتداد بالنفس وهكذا – حسب المؤلف – "قد ركز اعتراضاته على نتائج التحليل النفسي لشخصيات الأدباء على الجانبين:
·           الأول: إن شخصية الأديب لا تؤول أعماق كانت وإنما تجد تفسيرها في المحيط الإجتماعي الذي تعيش فيه.
·           الثاني: إن النقد الأدبي لا يقوم على تحليل شخصيات الأدباء وإنما يقوم على الدراسة الفنية لأدبهم.[60]
أما موقف حسين مروة الذي ينطلق من سنده الفكري (الواقعية الجديدة) لمناقشة العقاد والنويهي في تحليلهما لشخصية أبي نواس، حيت يشير من ناحية إلى أن العقاد قد أفرغ الشخصية من علاقاتها الإجتماعية وتناولها كجزيرة معزولة تكتسب دلالتها من ذاتها لا من علاقاتها، وهذا عيب التحليل النفسي برمته ومن ناحية ثانية إلى أن النويهي لم يهديه التحليل النفسي إلى حقيقة أبي نواس، خصوصا وأن نتائجه تدل على عكس حقيقة أبي نواس، وما يثبت عدم نجاعة التحليل النفسي بالنسبة لحسين مروة هو اكتشافه أثناء المقارنة بين الدراستين أن منطلقهما واحد لكن النتائج تختلف.[61]
وهكذا يرتب المؤلف على مناقشة طه حسين وحسين مروة مجموعة من الخلاصات، أتبعها بخلاصات عامة حول النزوع العلمي لخطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث, لينتقل بعد ذلك إلى المحور الثالث والأخير، المتعلق بالمسوغات الفكرية والإجتماعية لخطاب علم النفس. حيت عرض المؤلف في البداية لظروف نشأة وتطور علم النفس في أوربا، الذي جاء نتيجة هيمنة الفكر اللبرالي الذي أنتجته الطبقة البرجوازية الأوربية إلا أنه لابد من التمييز بين مرحلتين في تاريخ علم النفس في أوربا، إذ يلاحظ هيمنة علم النفس في "استقرار هذا الفكر وطبقته، وسعى إلى الكشف عن عقد الذات وملكاتها بغية تفتيق قواها بالكشف عنها والتعرف إليها من جهة وبغية التحكم في هذه القوى من جهة أخرى، في حين نشأ وهيمن التحليل النفسي في لحظة شيوع الانحلال وإضفاء القاتمة على القوى الإنسانية النبيلة."[62].
وبعد ذلك تم الانتقال إلى خطوة أخرى؛ للتعرف عما إذا كانت الدلالة التي عرفها علم النفس والتحليل النفسي في أوربا هي نفسها في الثقافة العربية، ثم هل خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث يعكس الفكر نفسه الذي نتج عنه في أوربا وعن العلاقات الإجتماعية نفسها؟ منتهيا "إلى أن علم النفس والتحليل النفسي بصيغته العربية، قد دخلا إلى الثقافة العربية بفعل الاحتكاك بأوربا الذي كان محكوما بشروط الواقع العربي – المصري خاصة – وبنضج الطبقة الوسطى في صيغتها الجديدة بعد ثورة 1919 وبحكم شيوع الفكر اللبرالي الذي تبنته الطليعة الثقافية لهذه الثورة، ويستتبع ذلك أن خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث – وضمنه النقد التأثري – قد كان مساوقا للفكر اللبرالي الذي تبنته الطبقة الوسطى، كما كان الإتجاه الرومانسي في الأدب تعبيرا أدبيا عنه.".[63]



= الدكتور عبد العزيز جسوس: أستاذ مناهج النقد الأدبي بكلية الآداب والعلوم الانسانية جامعة القاضي عياض بمراكش له عدة دراسات نقدية وفكرية، من بينها مؤلف إشكالية الخطاب العلمي في النقد الأدبي ومؤلف النقد الأدبي في الطور الشفوي... وغيرها
[1] - خطاب علم النفس في النقد الأدبي العبي الحديث: د عبد العزيز جسوس، م  والوراقة الوطنية بمراكش، ط1، 2006م. ص 14
[2] - نفسه، ص، 15 _17
[3]- نفسه، ص، 18 -19 . 
[4]- نفسه، ص، 20 .
[5]- نفسه، ص، 21 – 22 .
[6] - نفسه، ص، 24 .
[7] - نفسه، ص، 25 – 30 .
[8] - نفسه، ص، 31.
[9] نفسه، ص، 32 – 35 .
[10] -  نفسه، ص، 36 – 38 .
[11] -  نفسه، ص، 40 – 41 .
[12] -  نفسه، ص، 43 -  44 .
[13] - نفسه، ص، 45 – 47 .
[14] - نفسه، ص، 48 – 51.
[15] - نفسه، ص، 55 – 58.
[16] - نفسه، ص، 59 - 64 .
[17] - نفسه، ص، 65 – 66.
[18] - نفسه، ص، 67 – 70.
[19] - نفسه، ص، 71 – 72.
[20] - نفسه، ص، 73 – 76.
[21] - نفسه، ص، 77.
[22] - نفسه، ص، 78 -88  .
[23] - نفسه، ص، 89 – 90.
[24] - نفسه، ص، 90 – 91.
[25] - نفسه، ص، 97 – 100.
[26] - نفسه، ص، 100.
[27] - نفسه، ص، 100 – 103.
[28] - نفسه، ص، 103 – 105.
[29] - نفسه، ص، 106.
[30] - نفسه، ص، 107 – 109.
[31] - نفسه، ص، 110 – 111.
[32] - نفسه، ص، 111 – 116.
[33] - نفسه، ص، 116 – 117.
[34] - نفسه، ص، 118.
[35] - نفسه، ص، 181 – 123.
[36] - نفسه، ص، 124.
[37] - نفسه، ص، 125.
[38] - نفسه، ص، 126 – 132.
[39] - نفسه، ص، 132 – 135.
[40] - نفسه، ص، 135– 136.
[41] - نفسه، ص، 137.
[42] - نفسه، ص، 137 – 140.
[43] - نفسه، ص، 142.
[44] - نفسه، ص، 142 – 145.
[45] - نفسه، ص، 145 – 147.
[46] - نفسه، ص، 147 – 150.
[47] - نفسه، ص، 150- 153.
[48] - نفسه، ص، 157 – 159.
[49] - نفسه، ص، 159 – 160.
[50] - نفسه، ص، 161.
[51] - نفسه، ص، 162.
[52] - نفسه، ص، 162 – 164.
[53] - نفسه، ص، 164 – 172.
[54] - نفسه، ص، 172 – 177.
[55] - نفسه، ص، 177 – 181.
[56] - نفسه، ص، 185 - 186.
[57] - نفسه، ص، 186 – 187.
[58] - نفسه، ص، 188 – 192.
[59] - نفسه، ص، 192 – 198.
[60] - نفسه، ص، 198 – 201.
[61] - نفسه، ص، 201 – 203.
[62] - نفسه، ص، 206 – 209.
[63] - نفسه، ص، 209 – 212.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق