الأحد، 5 مايو 2013

قراءة في التراث النقدي المغربي: القضايا النقدية عند الحسن اليوسي وأنماط القراءة في مختاراته الشعرية، عرض مركز حول كتاب: "من قضايا النقد والتلقي في التراث المغربي"، للحسين أيت مبارك.

إن المتتبع لحركة النقد الأدبي الحديث بالمغرب، ناذرا ما يظفر بدراسة نقدية تعلي من شأن تراثنا النقدي والأدبي المغربي القديم وتحاول أن تربط ماضي هذا النقد بحاضره.
ولعل الدراسة التي قدمها الدكتور الحسين أيت مبارك تحث عنوان "من قضايا النقد والتلقي في التراث المغربي"، الصادرة عن دار القرويين بالدار البيضاء سنة 2007، قد حاولت أن تستنطق التراث المغربي، متجهة صوب أحد أعلامه البارزين، هو الحسن اليوسي، وذلك بإبراز القضايا النقدية المتبلورة في انتاجاته الأدبية والفكرية، وتوظيف مفهوم التلقي للكشف عن أنماط القراءة الممكنة لديه.
وعموما فإن المؤلف قد استهل هذه الدراسة – بعد المقدمة- بمدخل نظري أعقبه بفصلين أساسيين يتضمن كل واحد منهما مجموعة من المحاور الصغرى.
بالنسبة للمدخل النظري، قد عالج من خلاله المؤلف أربعة نقاط أساسية، أولاها تتعلق بشخصية اليوسي ومكانته العلمية، حيث قدم ترجمة له وعرفنا بثقافته، كما أشار إلى الدور الذي قام به اليوسي في الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي، وتصوره عن العلم والعلماء، أضف إلى ذلك إشارته إلى موسوعية اليوسي التي تنهل من روافد فكرية وأدبية مختلفة. أما النقطة الثانية فتتعلق بمفهوم النقد عند اليوسي الذي عمل المؤلف على مقارنته بنظيره في النقد الحديث. أما النقطة الثالثة فتتعلق بظاهرة الشعراء النقاد، حيث عرض المؤلف للجدل الناشئ بسبب هذه المسألة في الدراسات الغربية والعربية، وذلك بالتمييز بين أنصار الشعراء من جهة وأنصار النقاد من جهة ثانية، ثم تغير النص بين ذاتية الناقد ورؤية الشاعر. أما النقطة الرابعة فتتعلق بأنماط النقد لدى الشعراء، وتتلخص – حسب المؤلف- في مرحلة التفكير في النص وبنائه، ثم النقد الثاوي خلف البنيات الشعرية، والنقد الأدبي الصرف.
أما فيما يخص الفصل الأول، فقد عالج من خلاله المؤلف القضايا النظرية التي أدلى فيها اليوسي بدلوه، والتي تم تحديدها في ست قضايا كبرى، تتعلق أولاها، بمفهوم الشعر، حيث طرح المؤلف مسألة الأدب وضمنه الشعر باعتباره علما عند الألوسي في مقابل الأدب باعتباره فن، ثم أشار أيضا إلى مسألة الشعر باعتباره علما من علوم الفلسفة وذلك سيرا على هدى الفلاسفة المسلمين كالكندي والفارابي وغيرهما، ممن ربطوا الشعر بالفلسفة رغم إشكالية العلاقة بينهما، هذا ليتوقف عند مسألة علم الشعر الذي يتأسس على معرفة العروض، ومعرفة النحو، وتوفر المبدع على السليقة،أي الطبع والموهبة.
أما القضية الثانية، فتتعلق باللفظ والمعنى، التي من ملامحها – حسب المؤلف – عند اليوسي، دعوته إلى التحرز عن اللفظ الخسيس، ثم التركيب والصياغة والانسجام، ثم المقصد السليم، فصحة المعنى ولا نهائيته، ثم تفاعل الألفاظ المشروط بالفصاحة، ثم إبراز العلاقة بين مقتضيات النص والخلفية الإعتقادية.
أما القضية الثالثة، فتتعلق بالصدق والكذب، حيث أشار المؤلف في البداية إلى الفرق بين الصدق الواقعي والصدق الفني كما وقف عند التصور الإسلامي لهذه القضية، وذلك بالإشارة إلى ذم تسمية الممدوح بأسماء الله تعالى، وأشار إلى بيت لبيد:
ألا كل ما خلا الله باطل              وكل نعيم لا محالة زائل
باعتباره أصدق بيت قالته العرب، ولم يفت المؤلف في هذا النطاق، الإشارة إلى الصدق في المثل الشعري عند اليوسي، وكذلك استباحته الافتخار والتمدح واستحسانه للمبالغة.
أما القضية الرابعة، فتتعلق بالقدم والحداثة، ومن خلالها وقف المؤلف في البداية عند أسباب الصراع، التي ساهمت فيها مجموعة من العوامل، منها ما هو اجتماعي سياسي، ومنها ما هو ديني اعتقادي، ومنها ما هو فني إبداعي. وبعد ذلك وقف المؤلف عند النهج القديم الذي احتداه اليوسي سواء من جهة البناء الشكلي للقصيدة، أو من جهة الأسلوب، حيث يشترط على مستوى العبارة ضرورة التكثيف من الأمثال الشعرية والتكثيف الإستعاري والبديعي وصعوبة التشبيه، بالإضافة إلى ذلك لابد من الإحساس الذي يشكل قناة واصلة بين الفكر والواقع وبين الشعر، كما أشار المؤلف كذلك إلى أن إيثار النهج القديم تكمن عند اليوسي من جهة اللفظ والمعنى.
أما القضية الخامسة، فتتعلق بالمنظوم والمنثور، إذ أن أصل الكلام - حسب المؤلف – هو النثر، لكن هناك نوعين من النثر، أحدهما فني، والآخر عفوي مبتذل، وهذا الأمر لا يتضح عند اليوسي بشكل جلي، مما حدا بالمؤلف، في هذا النطاق، إلى استدعاء تصور طه حسين في الموضوع.
أما القضية السادسة والأخيرة، فتتعلق بالدفاع عن الشعر، وذلك بأن بسط المؤلف في البداية، إلى موقف الإسلام من الشعر، وبين مسوغات ذم الشعر، التي تنبني في مجملها على أسس دينية، كما بسط المؤلف كذلك لعلاقة الشعر بالحكمة عند اليوسي، وموقفه من إنشاد الشعر بالمسجد، وأشار أيضا إلى وظائف الشعر ومن ضمنها الوظيفة الاجتماعية، وإلى مسألة فهم وتفسير القرآن والسنة بالشعر، وفي الأخير يقف عند مراتب الشعر في ضوء الأحكام التكلفية عند اليوسي.
هذا بالنسبة للفصل الأول، أما فيما يخص الفصل الثاني، فيتعلق بالمختارات الشعرية وأنماط القراءة، ويضم محورين أساسيين، يتناول أولهما الاختيارات الشعرية، أسسها وغاياتها، حيث أن أسسها تتجلى في الإمتاع والانتفاع، وتتحدد غايتها في حسن التمثيل والاستغلال، والتوجيه الديني، وقد وفق المؤلف هنا عند مسألة التفرد في الاختيار الشعري عند اليوسي الذي يركز في اختياراته على الشعر المغربي والأندلسي، كما أنه يتجه نحو اختيار الأبيات المفردة.
أما المحور الثاني، فيتناول من خلاله المؤلف المختارات الشعرية وأنماط القراءة، وذلك بتقديمه لمدخل نظري أشار من خلاله إلى إشكالية المنهج، وإلى علاقة الاختيار بالنقد، ليقف بعد ذلك عند إشكالية القراءة والتأويل، معرجا على البوادر الأولى للاهتمام بالتلقي في الدرس الأدبي، وعلى جمالية التلقي عند يوس وإيزر، وبعد هذا المدخل النظري يقف المؤلف عند، أنماط القراءة عند اليوسي، والتي حددها في: القراءة العرضية، والقراءة الموضوعية، والقراءة التأويلية الشاعرية، والقراءة التأويلية الصوفية، والقراءة الوعظية الإرشادية.
وهكذا يخلص المؤلف إلى أن آراء اليوسي النقدية لا تخرج عن المعالم الأولى التي رسمها النقاد القدامى، وأن مختاراته الشعرية وأنماط القراءة المتولدة عنها، نابعة من حاجات العصر الملحة، كما أنها تعكس التوجه الفكري والإبداعي المتشعب لحسن اليوسي.

هناك تعليق واحد:

  1. من فظلك انا بحاجة ملسة الى هدا الكتاب هل بالامكان تحميله

    ردحذف