السبت، 25 مايو 2013

قراءة موجزة حول كتاب "شعرية الإقناع في الخطاب النقد والبلاغي" للدكتور أحمد قادم


يعد كتاب "شعرية الإقناع في الخطابين النقد والبلاغي" للدكتور أحمد قادم من أهم الدراسات في حقل الحجاج والتي أضافت إلى الساحة النقدية والبلاغية العربية الحديثة رؤية جديدة وفريدة، حاول الدارس بموجبها النبش في التراث البلاغي والنقدي عن أسس معرفية ونظرية تهم شعرية الإقناع، بعدما كان البحث في الإقناع حكرا لردح طويل من الزمن في حقل الخطابة.
وعلى هذا الأساس عقد الدارس الفصل الأول من هذا المؤلف لرصد المقومات الشعرية التي راهن عليها النقاد والبلاغيون لإعلان أدبية القصيدة العربية، فحصر مجموعة من خصائص الشعر عند النقاد عبر تطورها التاريخي بدءا بابن طباطبا العلوي وعيار الشعر، ثم قدامة بن جعفر والصنعة وأخلاق، مرورا بابن وهب حول مبدإ الشعر شعور، ثم ابن رشيق القيرواني في تأكيده على أن الوزن هو أعظم أركان حد الشعر، وصولا إلى رؤية حازم القرطاجني في كون الشعر عنده كلام موزون مخيل.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد وقف الدارس أيضا، ضمن هذا الفصل عند قضية عمود الشعر كما تم تداولها عند كل من ابن قتيبة في بحثه عن نموذج شعري، ثم عند المرزوقي في حصره لعمود الشعر في سبعة أبواب. ثم حازم القرطاجني مرة أخرى في ربطه بين شكل القصيدة وبواعث العمود الشعري.
وقد تم الوقوف في هذا الباب أيضا عند نظرية النظم لدى عبد القاهر الجرجاني، وذلك بالتركيز على الاستعارة ومفهوم النقل، ثم الاستعارة ومفهوم الادعاء، ثم النظم والكناية، والإبداع وصورة المعنى.
ومن بين القضايا التي تم تفصيلها كذلك في هذا الفصل قضية التمييز بين الشعر والنثر، مبرزا أسس التمييز بينهما في مبدأ المفاضلة وسلطة الوزن ثم هاجس التفاعل.
وفي ختام هذا الفصل تم طرح إشكالية مفهوم الشعر لدى الفلاسفة المسلمين، متبعا تطور الرؤية إلى هذا المفهوم من منظور الوزن والقافية كما عند النقاد والعروضيين إلى منظور جديد قوامه الشعر محاكاة وتخييل.
هذا فيما بخصوص الفصل الأول من هذه الدراسة أما فيما يتعلق الفصل الثاني فقد خصصه دراسة الإقناع بين الشعر والخطابة، والذي سعى من خلاله إلى: "ضبط المقومات الخطابية التي أضحت جزءا لا يتجزأ عند البلاغيين والفلاسفة، مع التركيز على مفهوم المراوحة بين المعاني الشعرية والمعاني الخطابية وطبيعة التعايش بين التخييل والإقناع داخل نص واحد، بالرغم من الحواجز النظرية التي ترى في الخيال رهانا شعريا، وفي الإقناع أسا خطابيا"[1].
ومن ثم راح الدارس يستعرض تفاصيل هذه الإشكالية، مبرزا في البداية سلطة الجنس الأدبي عند أرسطو على مستويي الأسلوب والبناء، ثم شعرية الخطابة وخطابية الشعر عند الفلاسفة المسلمين موضحا الوسيلة والهدف في الشعر والخطابة عند كل من الفارابي وابن سينا وابن رشد، ثم إقناع الخواص دون العوام .
كما بين أيضا قانون المراوحة بين المعاني عند حازم القرطاجني.
ووقف بعد ذلك عند قضية الإلقاء في الشعرية العربية، مبينا هاجس الإلقاء والتلقي في الظاهرة الأدبية، وشروط الإلقاء، وشروط فصاحة المتكلم ثم عيوب الالقاء وطقوس الالقاء.
وقد ختم الدارس هذا الفصل بالوقوف عند البيان بين الجاحظ وابن وهب من منظور حجاجي مفصلا القول في بيان البيان ووظائف البيان وأقسام الدلالة على المعنى عند كل من الجاحظ وابن وهب.
وعموما فإن هذه الدراسة القيمة تبقى جديرة بالقراءة والمتابعة نظرا للطرح الجديد والفريد الذي تطرحه في تناولها للإقناع في الشعرية العربية، بلغة سلسة وممتعة تجعلك تتابع القضايا التي يطرحها بنهم، وهي دراسة تجمع بين أسس البحث الأكاديمي الرصين وبين الوظيفة التربوية، وهذه الصفة قل ما نجدها عند أحد لذلك فكل من الباحث المتخصص في مجال الحجاج والطالب المتعلم سيجد بغيته في هذا المؤلف. الذي نتمنى أن تأتي فرصة سانحة لتقديم رؤية وقراءة متأنية ودقيقة حوله، ما دام المجال هنا لا يفيد في العرض والتفصيل والمقارنة والتحليل.



[1] ) د. أحمد قادم، شعرية الاقناع في الخطاب النقدي والبلاغي، المطبعة الوطنية، ط1، مراكش، 2009، ص 7.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق